الزاوية الكمشخانوية / الزاوية الكمشخانوية

(الشيخ عمر ضياء الدين الداغستاني (رحمه الله تعالى

هو العالم الرباني والوارث المحمدي، شيخ الطريقة الصوفية النقشبندية الخالدية الكومُش خانوية، والذي أمضى حياته في طريق أهل السنة، ينشر الإسلام ويعلمه في ضوء القرآن الكريم، والكتب الستة المشهورة. ولد الشيخ عمر ضياء الدين في قرية (ميعادلي) التابعة لمدينة (تشيركاي) في داغستان سنة (1266هـ - 1849م).

القراءة بلغة أخرى

الشيخ عمر ضياء الدين الداغستاني (رحمه الله)

هو العالم الرباني والوارث المحمدي، شيخ الطريقة الصوفية النقشبندية الخالدية الكومُش خانوية، والذي أمضى حياته في طريق أهل السنة، ينشر الإسلام ويعلمه في ضوء القرآن الكريم، والكتب الستة المشهورة.

ولد الشيخ عمر ضياء الدين في قرية (ميعادلي) التابعة لمدينة (تشيركاي) في داغستان سنة (1266هـ - 1849م).

والده: الحاج عبد الله الداغستاني من أتراك الأَوار، وأمه: السيدة فاطمة([1]).

وهو السابع بين إخوته الثمانية.

تلقَّى تعليمه الأول من والده الذي كان من علماء زمانه، فقد تعلم منه العلوم الشرعية، واللغة العربية، ولهجات بلاد القوقاز أيضاً، ثم التحق بالمدرسة، وتابع دراسته فيها حتى درس كتاب "شرح العقائد" للتفتازاني([2]).

انضمَّ الشيخ عمر ضياء الدين في شبابه إلى حركات الجهاد ضد الروس في بلاد القوقاز، والتي استمرت لسنوات([3]).

ثم هاجر إلى الدولة العثمانية مع أهالي القوقاز بسبب احتلال الروس لتلك المنطقة بعد هزيمة الدولة العثمانية في حربها مع روسيا عام (1877- 1878 م)([4]).

سكن الشيخ عمر ضياء الدين سليل عائلة العلماء الذي كان له علاقة بالطريقة النقشبندية الخالدية العاصمةَ في إسطنبول، وانضمَّ إلى الشيخ أحمد ضياء الدين الكومُش خانوي النقشبندي([5])، وبهذا تابع طلبه للعلم الذي بدأه في داغستان في زاوية الشيخ الكومُش خانوي([6]).

لفت الشيخ الداغستاني انتباهَ شيخه بجدِّه وإخلاصه، واجتهاده في دروسه, فقال له شيخه: يا ولدي إني أعطيك لقب ضياء الدين، وليبقَ معك طول حياتك، فصار بعد ذلك ينادَى بعمر ضياء الدين([7]).

أخذ الشيخ الداغستاني الذي تعلم الفقه، والتفسير، والحديث، والعلوم الشرعية الإجازةَ والخلافةَ من شيخه الشيخ أحمد ضياء الدين الكومُش خانوي.

ومرة ناداه شيخه: (عمر الحافظ)، فبدأ حفظ القرآن الكريم من تلك الليلة، وأتمَّ حفظه في أربعة أشهر([8])، وفي رواية: في ستة أشهر([9]).

وفي نفس الوقت كان الشيخ ضياء الدين حافظاً للحديث، ويروى أنه كان يحفظ (200) ألف حديث مع الراوي.

وذكرت بعض المصادر أنه كان يقرأ ختمةً في صلاة التراويح في مدة ست ساعات، وبعد الصلاة كان يذهب إلى البيت وقد حان وقت السحور.

وقد بقي يقرأ القرآن بحفظ وإتقان كما يقرأ سورة الفاتحة حتى في آخر فترة من حياته رحمه الله([10]).

بعد أن أنهى الشيخ عمر ضياء الدين تحصيله العلمي ونال الإجازة عام (1879م) تم تعيينه مفتياً للفوج (19) في الجيش الثاني في أدرنة، وبقي في هذه الوظيفة حتى كانون الأول عام (1894م).

ثم عمل نائباً للقاضي في مدينة (مَالْكَرَا) من عام (1895م) إلى (1902م).

وفي سنة (1903م) عمل لمدة عام في القضاء العالي في القدس.

ثم عمل نائباً للقاضي في مدينة (تيكيرداغ) من تاريخ (12 آذار 1906) إلى (14 آب 1908)، وكان رئيساً لمحكمتي الحقوق والجنايات أيضاً([11]).

وفي شهر (آب عام 1908)، أي: بعد إعلان المشروطية([12]) الثانية، ونتيجة التغييرات في كوادر الموظفين أحيل للتقاعد، وعاد بعدها إلى إسطنبول([13]).

وبعد حصول أحداث (31 آذار) بسبب عزل السلطان عبد الحميد الثاني عن الحكم نفي الشيخ ضياء الدين إلى المدينة المنورة، وقد اضطر للإقامة فيها مدة خمسة أشهر ونصف، وفي هذه الأثناء رأى خديوي مصر عباس حلمي باشا رؤيا، وعلى إثر إشارة في هذه الرؤيا جاء إلى المدينة المنورة، واصطحب معه الشيخ عمر ضياء الدين إلى مصر، وأسكنه في قصره([14]).

بقي الشيخ عمر ضياء الدين في مصر في قصر الخديوي (المُنْتَزَه) مدة عشر سنوات كان فيها شيخاً وإماماً للقصر, وفي أثناء إقامته في مصر بدأت الحرب العالمية الأولى، وحاول الإنجليز تجنيد بعض المرتزقة من المصريين بالمال، فقام الشيخ بكتابة المقالات، ونشر المنشورات لمنع هذا الأمر، ولتوعية الشعب، وكان يقول: (المسلم أخو المسلم)، (لا يجوز للمسلم أن يطلق النار على أخيه), (لا تخرجوا على الخليفة).

وبسبب هذه النشاطات قام الإنجليز بحبسه، وحكموا عليه بالإعدام، لكن الخديوي عباس حلمي باشا الذي كان موالياً للدولة العثمانية، والذي أراد الإنجليز إرساله إلى سويسرا عند بداية الحرب العالمية الأولى حتى يوضع تحت الإقامة الجبرية عندما علم بالحادث تدخَّل، وأخرج الشيخ من الحبس.

وفي أثناء إقامة الشيخ عمر ضياء الدين في مصر استمر في نشاطاته العلمية، وصنف العديد من المؤلفات.

وبعد وفاة الشيخ إسماعيل نجاتي الصفرانْبولَوي عام (1919م) عاد الشيخ عمر ضياء الدين إلى إسطنبول، وصار شيخ الزاوية الكومُش خانوية، وهكذا تولى مقام الإرشاد، وصار الخليفة الثالث للشيخ أحمد الكومُش خانوي بعد الشيخ حسن حلمي القسطموني، والشيخ إسماعيل الصفرانبولوي([15]).

وبعد عودة الشيخ من مصر وفي تاريخ (5 آب 1919م) تم تعيينه أستاذاً للخلافيات في مدرسة السليمانية (مدرسة المتخصصين)، ثم تم تعيينه أستاذًا للحديث الشريف في المدرسة نفسها في (27 تشرين الأول 1920م)([16]).

كان الشيخ في آخر سنتين من حياته أستاذاً في المدرسة السليمانية، وفي نفس الوقت كان شيخاً للطريقة في الزاوية الكومُش خانوية.

جاء السلطان وحيد الدين بذاته إلى الشيخ، وعرض عليه منصب شيخ الإسلام، فرفض الشيخ قائلاً: (لا يمكن إشغال مقام الفتوى في بلد محتلّ)([17]).

وبينما كان العالم الإسلامي يمر بأوقات عصيبة، وبالأخص العاصمة إسطنبول التي كانت تحت الاحتلال توفي شيخ الطريقة الشيخ عمر ضياء الدين الداغستاني يوم الجمعة (18 تشرين الثاني 1921م) في الزاوية الكومُش خانوية، وارتحل إلى دار البقاء([18]), ووُورِيَ الثرى في مقبرة جامع السليمانية في المكان المخصص للشيخ أحمد ضياء الدين الكومُش خانوي وخلفائه.

كان حضرة الشيخ عمر ضياء الدين الداغستاني يعرف اللغة التركية، والعربية، والفارسية، والروسية، ولغات داغستان، ولهجات أتراك آسيا الوسطى، وصنف نحو عشرين مؤلفاً بهذه اللغات، خاصة في الحديث، والفقه، والقراءات، والتصوف، وسائر فروع العلم، منها المنظوم، والمنثور، ومنها المطبوع، والمخطوط([19]).

وكان شاعراً، فقد نظَمَ باللغة الشركسية المولد الشريف المؤلَّف من ألف بيت، والذي له شهرة واسعة في داغستان كشهرة المولد لسليمان تشلبي في تركيا، وله منظومة اسمها قصص الأنبياء، كتبها بلغة قبيلة الشيخ شامل.

وقد انتشرت مؤلفاته في إسطنبول، وداغستان، ومصر، وطرابزون، وأدرنة، وطبعت بعدة مطابع، وعم نفعها وبركتها في تلك البلاد([20]).

من مؤلفاته:

الفتاوى العمرية في الطريقة العلية.

التسهيلات العطرة في القراءات العشرة.

المعجزات النبوية.

سنن الأقوال النبوية من الأحاديث البخارية.

زوائد الزبيدي.

آداب قراءة القرآن.

أربعون حديثاً في حقوق السلاطين.

مرآة القانون الأساسي.

زبدة البخاري.

لغة الأوزان.

كان الشيخ عمر ضياء الدين الداغستاني عالماً متمكناً في علمَي الظاهر والباطن، طويل القامة، أبيض الوجه، أبيض اللحية، وقوراً جوادًا، قدس الله سره

العزيز([21]).


([1]) "أرشيف المشيخة" (رقم الملف: 1396)، اللقاء الصحفي لسليمان زكي باغلان مع يوسف ضياء بناتلي حول الشيخ عمر ضياء الدين الداغستاني، و"موسوعة كبار أئمة الإسلام والتصوف"، إسطنبول، دار النشر: Vefa، 1993، (ص 327).

([2]) "عمر ضياء الدين الداغستاني"، يوسف ضياء بناتلي، وقف الديانة التركي: الموسوعة الإسلامية، إسطنبول، 1993، (34: 406 – 407)، و"علماء الدولة العثمانية في الفترة الأخيرة"، صادق البيرق، إسطنبول، منشورات الجريدة القومية، 1981، (ص 328).

([3]) "داغستان"، ضياء موسى بونياتوف، DIA، 1993، (8: 405).

([4]) "أولياء الله: مناقب أولياء تركيا في القرن العشرين"، أدهم جَبَجي أوغلو، أنقرة: كتب Alperen، 2002، (3: 152).

([5]) "عمر ضياء الدين الداغستاني"، يوسف ضياء بناتلي (34: 406)، و"سفينة الأولياء", حسين وصّاف، إعداد: علي يلماز ومحمد أكوش، إسطنبول، منشورات seha، 1999 (ص: 350).

([6]) لمزيد من المعلومات عن تكة الكومُش خانوي ـ التي كان مكانها مقابل بناء ولاية إسطنبول اليوم (قديماً رئاسة وزراء عثمانية، الباب العالي) والتي لم يبقَ منها شيء يومنا هذا ـ يمكنكم الاطلاع على المؤلفات التالية: "تكة الكومُش خانوي"، محمد بهاء طانمان، DIA (14: 277 – 278)، "خصائص تكة الكومُش خانوي المعمارية والتاريخية: العلم والصنعة"، طانمان، أيار - تموز، 1998، (ص: 115)، "من آثار إسطنبول القديمة الضائعة: جامع السلطانة فاطمة وتكية الكومُش خانوي"، سماعي أيجه، مجلة كلية الاقتصاد، جامعة إسطنبول، 43، إسطنبول، 1987، (ص: 478).

([7]) "أرشيف المشيخة"، سليمان زكي باغلان (ص: 327).

([8]) المصدر السابق (ص: 327).

([9]) "أولياء الله"، جَبَجي أوغلو (3: 153).

([10]) "أرشيف المشيخة"، سليمان زكي باغلان (ص: 328)، و"أولياء الله"، جَبَجي أوغلو (3: 160).

([11]) "أرشيف المشيخة"، سليمان زكي باغلان (رقم الملف: 1396).

([12]) المشروطية : تعني وجود النظام البرلماني مع بقاء الحاكم كملك أو خليفة.

([13]) "ذيل السجل العثماني، موسوعة مشاهير العصر الأخير العثمانيين"، محمد زكي باكالن، أنقرة،Türk Tarih Kurumu Yay ، 2008 (14: 30)، و"علماء الدولة العثمانية في الفترة الأخيرة"، صادق البيرق (ص 383).

([14]) "أرشيف المشيخة"، سليمان زكي باغلان (ص: 328 – 329).

([15]) المصدر السابق (ص: 329).

([16]) "علماء الدولة العثمانية في الفترة الأخيرة"، صادق البيرق، (4-5: 383), و"سفينة الأولياء", حسين وصّاف (2: 351).

([17]) "ترجمة زبدة البخاري"، عمر ضياء الدين الداغستاني, إسطنبول, منشورات مكتبةSalah Bilici (1: 10).

([18]) أرشيف الشيخ محمود أسعد جوشان، مودعات كوتكو (1: 1)، و"علماء الدولة العثمانية في الفترة الأخيرة"، صادق البيرق (4-5: 383)، و"سفينة الأولياء", حسين وصّاف (2: 351).

وقد ورد تاريخ وفاته في "دفتر مذكرات الشيخ محمد زاهد كوتكو" والذي أصبح بعدها شيخاً لتلك الزاوية، وهذا الدفتر موجود في مركز محمود أسعد جوشان للتعليم والأبحاث، وهذا نصه: (18 تشرين الثاني سنة 1337 هـ يوم الجمعة توفي الشيخ عمر ضياء الدين, ذهبتُ إلى جنازته, وقد دُفِن في المكان المخصَّص له في مقبرة السليمانية، كان مباركاً، ونوراً على نور، وقد أبكانا كثيراً).

([19]) "ترجمة زبدة البخاري"، عمر ضياء الدين الداغستاني (ص: 10).

([20]) "عمر ضياء الدين الداغستاني"، يوسف ضياء بناتلي (34: 407).

([21]) "تذكرة الأولياء"، فريد الدين العطار, إعداد: محمد زاهد كوتكو, إسطنبول, منشورات seha، 1983، (ص: 335).

مقالة “(الشيخ عمر ضياء الدين الداغستاني (رحمه الله تعالى”