كان رابع من أسلم، أسلم وبدأ الصلاة وهو طفلٌ، وهناك كثير من الأحاديث حول ذلك... هو إنسان تربّى وهو مرتبط بالإسلام منذ طفولته، نال ثواباً عظيماً، وسيستظلّ بظلّ العرش الأعلى، ويدخل الجنّة. ولأنه نشأ في الإسلام منذ طفولته، وترعرع وأتمّ حياته على ذلك فإن سيّدنا عليّاً بهذا الاعتبار أيضاً شخصٌ محترمٌ مهمّ ومُميّز...
أريد أن أعقد مجالس حول سيّدنا عليّ بشكل دوريّ مرّة في الشهر على الأقل إذا قدّر الله ذلك، وهناك أسبابٌ وراء اتخاذنا لقرار الحديث في موضوع كهذا...
خادمكم وأخوكم الذي هو أنا شخصٌ تجمعُه رابطة عِرقٍ بسيّدنا عليّ رضي الله عنه، يُقال بأن أجدادنا ينحدرون من سلالته، لذلك فنحن من أولاده، وبهذا الاعتبار فإن الناس الذين يشعرون بالحبِّ تُجاهه وتُجاه ما يتعلّق به يُثيرون اهتمامنا واحترامنا.
أمّا من جهة التصوّف فإن أوّل اسم في طريقتنا النقشبندية هو سيّدنا أبو بكر الصديق، وفي رواية أنه اختار الذّكر الخفيّ كطريقٍ، لكن إحدى فروع سلسلتنا ترتبط بسيّدنا عليّ، ومنه بسيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فإن جميع الأئمّة أولاد سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم، وسيّدنا عليّ، وأُمِّنا فاطمة رضي الله عنهم أجمعين، هم أشخاصٌ نرتبط بهم ارتباطاً عميقاً من جهة التصوّف.
هناك في وطننا مجموعة كبيرة محترمة ومهمّة تتسمّى بهذا الاسم... يعني علويّة، وهي في الأصل تعني "المنتسبون لسيّدنا عليّ"، ففي العربية إذا أُضيفت ياءٌ كهذه إلى آخر الكلمة فإنها تُفيد النّسبة، مثلما يُقال: "إسطنبولي" بمعنى المنتسب لإسطنبول، أو "قونويّ" بمعنى المنتسب لقونيا، أو "مكّيّ" بمعنى المنتسب لمكّة...
يسمّون هذا باسم النّسبة، ولكن المعنى واضح جدّاً: "المنتسب لسيّدنا عليّ..." وهي تعني المنتسب برابطة المعتقد والحبّ والقلب... هذا شيء جميل؛ لأن سيّدنا عليّ شخص مبارك جدّاً ومحترم جدّاً.
هذه الكلمة هي بمثابة الفخر بالنسبة للبعض وبمثابة وسيلةٍ للشكّ بالنسبة للبعض الآخر، هي وسيلة للتردّد بالقول: "آه، أهذا علويّ؟.."، بل إنها وسيلة للفُرْقة أحيانًا، ويجب حلّ هذه الأمور والتحدّث حولها!..
في الجرائد تُنشرُ متفرّقات وصُور، وحول هذا الموضوع هناك العديد من المؤلّفات، لكن يمكن أن تُتناوَل المسألة باعتبارين اثنين:
1 – بوصفها حادثة اجتماعية، هناك مجموعة تُسمّى بالـ"علويّة"... سواءً قُلنا "علويّة"، أو سمّيناها باسم آخر، فإن هناك مجموعة كهذه... فلندرُس أعرافهم وعاداتهم وأحوالهم، يمكن التفكير في تصوير ذلك، وتعريفه وبيانه، وهذا يعني دراسة أي واقعة اجتماعية، أو وضعها نصب العينين.
2 – ثمّ يمكن أن يكون من الضروري تناول المسألة من الجهة المثالية، ومن جهة الحقيقة والصّحّة، أي: التوجه إلى المسألة بنظرة نقديّة، والبحث في المصادر وفي صحّتها وإعطاء علامةٍ حول الطريق المُتّبع، والتحدّث عن صحّتها...
أنا شخصيّاً لن أتحدّث عن شيء مفادُه "في تركيا توجد العلويّة كظاهرة، ويوجد بكتاشيون... وطقوسهم هكذا، إلخ"، ما دام أن بعض الناس يُكنّون الحبّ لسيدنا عليّ، ويرتبطون به ويحبونه؛ فأنا أيضاً أحبه، وهم أيضًا يحبّونه، وبالتالي فأنا أريد أن أساعدهم.
ما هي العلويّة؟ كيف يجب أن يكون الارتباط بسيّدنا عليّ؟ أيّ إنسانٍ هو سيّدنا عليّ؟
يبدو أنني فيما يتعلّق بالعلويّة جذريٌّ قليلًا بالتعبير الحديث، فأنا أريد تنظيم الأمر من جديد من جذوره وأساسه، وأؤمن بأن ذلك مُفيدٌ؛ لأنه موضوعٌ حيٌّ، وأحياناً هو موضوع خلاف وتصارع، هو في وضعيّة الإشكال الاجتماعي، وأنا أذهب إلى أنه "بما أن تركيا وطننا فإن علينا التفكير في مشاكل هذه الأرض، والحديث عنها، والبحث عن حلول لها، والسعي للعثور على حلول صحيحة، والوصول إلى نتائج جميلة، وبما أن ذلك في نفس الوقت دَيْنٌ وطنيّ فإنّ علينا الاهتمام بهذه المسائل".
أنا خِرّيج إلهيّات، شهادتي للدكتوراه حصلت عليها من الإلهيات، ورتبة الأستاذ المشارك حصلت عليها فيي مجال الإلهيات، ودرجتي للبروفيساريا أيضاً هي بروفيساريا إلهيات، وقد درّست في كليّة الإلهيات بأنقرة لمدّة سبع وعشرين سنة.
أنتم تعلمون أن أحدنا يدخل الجامعة كمُساعد، ثم يحصل على الدكتوراه، ثم يصبح أستاذاً مُشاركاً، ثم يصبح بروفيسوراً، بالطبع أثناء ذلك هناك الآن درجة مساعد الأستاذ المشارك، وأُصولُ تخطّيها تختلف عن تلك التي في زماننا قليلاً...
عند الإعداد لرسالة الحصول على رتبة الأستاذ المشارك اخترت الولي حاجي بكتاشي كموضوع بحث، فقد كنت مشتغلاً بمجال الأدب الدّيني، بيان مُنتجات الأدب التركي الدينيّة، وأصحابها من الكُتّاب والشّعراء الذين ألَّفوها، وبيان هذه المؤلّفات التي أُلِّفت، وبيان نصوصها... لقد كان موضوعي موضوعًا حُلوًا وجميلًا، اشتغلت عليه بكلّ حُبّ، الموالد الشريفة، والقصائد، والنعوت الشريفة، والمؤلفات الدّينية...
كنت قد قُمت بدراسة عن حياة الولي حاجي بكتاشي ومؤلّفاته؛ لأنه أيضا إنسانٌ محبوب جدّاً... هناك أتباع له يسمّونهم بالبكتاشيّين، وله علاقة بنا أيضاً، فقد أخذ الفيض من الطريقة النقشبندية، وهو أيضاً من الخلفاء النقشبنديين... هو درويش مرتبط بالخواجكانيّة، وربّاهُ سيّدنا عبد الخالق الغجدواني...
لقد ألَّف الجميعُ حول الولي حاجي بكتاشي، اشتغل حوله الأوروبيون، ومن تركيا كان هناك مشتغلون حوله، ولكنني تناولت المسألة بوصفي مؤرّخاً للأدب، حيث بحثت عن مؤلّفات الولي حاجي بكتاشي في المكتبات، واشتغلت انطلاقاً من مؤلّفاتٍ مخطوطةٍ، ذهبت إلى ضريح الولي حاجي بكتاشي، وإلى تكيّتِه، واشتغلت حول الكتابات التي هناك، وقمت بأبحاث عنها، جَردتُ مكتبات الأناضول، وعثرت على مادّةٍ لم يعثر عليها الأوروبيون، ولا البحّاثةُ المحليّون، ولم يعلموا بوجودها.
البروفيسور فؤاد كوبرلي، والبروفيسور إسماعيل حكمت أرتيلان، وعبد الباقي كولبينارلي كتبوا كتابات في هذا الموضوع... وقد عثرت على مادّةٍ مدعّمة بالوثائق ستغيّر كلّ تلك الكتابات.
وقدّمت نصًّا موثوقًا لمقالات الولي حاجي بكتاشي، فصارت الاستفادة من مؤلَّفِنا أمراً لا يُستغنى عنه في اجتماعات إحياء ذكرى الولي حاجي بكتاشي؛ لأن نتائج الأبحاث التي قمنا بها في ذلك الموضوع تُثير اهتمام الجميع، وتتعلّق بهم بشكل أو بآخر.
لقد أبدت مسألة العلويّة والسّنّة اهتماماً خاصّاً ببلدنا تركيا خلال هذه السنوات، ونحن نسعى إلى حماية ومراقبة وطننا كما نفعل مع أعيُنِنا، وبما أنّه أمانةٌ تركها لنا أجدادنا فإننا نسعى إلى إمساكه بأيدينا كما نُمسك المادّة الثمينة التي بداخل فانوسٍ من الزجاج حتى لا تنكسر، ونسعى إلى عدم تفكيك وحدته وتماسُكه.
أثناء هذه المساعي انفتحت أيضاً العديد من الجروح بين أفراد شعبنا.
في نهايات سنة 1993م ذهبت إلى أستراليا، في تلك القارة البعيدة وجدت أن هذه المسألة أصبحت موضوع خلافٍ كبير جدّاً، فتَحَ الطريق لخصومات كبيرة جدّاً، وتسبّب في أحزانٍ كثيرة، حدّثوني عن ذلك فحزِنتُ كثيراً.
فقلتُ: "هناك مسؤوليّة تقع على عواتقنا هنا، فمن جهةٍ هناك علاقة عِرقٍ بيننا حسب المعلومات التي أخذناها عن أجدادنا، ومن جهةٍ أخرى هناك علاقة تربطنا من حيث التّصوّف، ومن جهة ثالثةٍ هناك علاقة تربطنا من حيث العلم، ومن جهة رابعة بيننا علاقة من حيث القوميّة...".
ثم خرجت وذهبت إلى جمعيّات هؤلاء الإخوة التي تقع في مدينة ميلدورا الفلاحيّة الكبيرة وسط القارة، وجلست معهم، وقلتُ لهم: "لقد جئتُ لزيارتكم، سمعت بأنكم قمتم بمجموعة من التصرّفات المتطرّفة، تكلّمتم بكلامٍ ضدّ الإسلام في الراديو، وبسبب الخصومة والتّضادّ بين السّنة والعلويّة هاجم العلويّةُ الإسلامَ وكأنهم ليسوا متديّنين أو غير مسلمين، وتوجّهوا إلى أسلوب الهجوم على الإسلام، وقد جئت لأبيّن لكم خطأ هذا الأمر".
يعني قلتُ لهم: "هل أنتم علويّون؟ أأنتم مرتبطون بسيّدنا عليّ؟ جئت للتحدّث إليكم ولمصارحتكم؛ لأنّه إذا كنتم بالفعل مرتبطين به فإن شيئاً كهذا لا يجب أن يصدُر منكم"، تحدّثت معهم لمدّة ثلاث ساعات.
لقد عرضوا كُلّ مسائلهم، فأجبناهم على كلّ واحدة منها، فاطمأنّوا لذلك، ولكن ظهرت في داخلنا رغبةٌ مُلحّةٌ، حيث قُلنا: "فلنُواصل التعريف بسيّدنا عليّ خدمة لإخواننا العلويّين؛ لأنَّ حديثَ من يعرفون هذه المسألة وكلامَهُم فيها المُستندَ إلى المصادر شيءٌ جميل... وليس من الصواب استعمال هذا الأمر كوسيلةٍ سياسيّة، أو كوسيلةٍ لإنتاج وتحصيل عداواتٍ متنوعّة... هذا لا يُرضي سيّدنا عليّاً... ولا يُرضي الله... وضميرنا يؤنّبُنا، يجب حلّ هذه المشكلة!..".
وعلى سبيل الحلّ طوّرنا طريقة فقلنا: فلنُعرّف بشكلٍ جميلٍ مع ذكر المصادر بجميع الأشخاص الذين يحترمهم إخواننا العلويّون، ويرون عظمتهُم!.. فلتكُن الكلمةُ للعلم، وليُذعن الجميع للحقيقة، وليُسلّم لها؛ لأن سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديثٍ شريفٍ: زُلْ مَعَ الْحَقِّ حَيْثُمَا زَالَ1، يقول: لا تقف في جهة محدّدة، وفي موضع محدّد وتُعاند، أينما كان الحقّ فكُن معه، كُن بجانب الحقّ، وكُن بجانب الحقيقة والشيء الصحيح.
لذلك فأنا أرغب في أن يتواصل هذا الشيء في تركيا أيضاً، لدينا درسُ حديثٍ أيّام الأحد في مسجدنا إسكندر باشا بمنطقة الفاتح، حيث نقرأ أحاديثَ شريفةً بشكلٍ مستمر انطلق قبل سنواتٍ طويلة، نبدأ كتابَ حديثٍ من أوّله، وعند فراغنا منه نعود إلى أوّله، ونقرؤه من جديد، نعقد دروسًا أيام الأحد حتى يتعرف المُستمعون على سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم من خلال كلماته، ومن خلال أحاديثِه الشريفة، وحتّى يتعلّموا من السّنّة السَّنيّة التي هي من مصادر الإسلام الأساسيّة كما قلنا: "فلنقُم بعملٍ يُعرّف بسيّدنا عليّ".
أصلًا كان هذا الموضوع يُثير اهتمامي بسبب دراسات تاريخ الأدب بوصفي مؤرّخاً للأدب، وأنا أفكّر في إحضار نماذج متنوّعة من الأدب التركي إلى هنا وشرحها لكم في الأسابيع المقبلة إن شاء الله؛ لكي يكون الأدب ممتعاً، وغير مُملّ، ولكي تُفهم المواضيع والمشاهد المختلفة لثقافتنا. توجد بعض المؤلّفات المتعلّقة بأقوال سيّدنا عليّ في الأدب التركي، وقد كنت أفكّرُ في نشرها.
مثلاً هناك مؤلَّفٌ بعنوان (صد كلمه حضرت علي)، "صد" تعني مئة، أخذ مؤلّفٌ مئة قولٍ لسيّدنا علي، وترجمها إلى التركية وشرحها، موضوع جميل... هكذا يكون قد شرح أقوال سيّدنا علي، هذا يشكّل مادّةً لمُحبّيهِ.
كنت أفكّر في ذلك بشكل جدِّيّ، في أنقرة كان لدينا طالبٌ نُحبّه كثيرًا، وهو عسكري متقاعد، كان متفوّقاً حتى في العسكر، ولكنه بعد أن تقاعد جاء إلى كُلّيتنا، وتخرّج منها بتفوّق كبير، كان يجمع الكُتب فأثرى مكتبته، واقتنى الكُتب المَصادر.
وقد رأيت في مكتبته كتابا طُبع في النجف إحدى البقاع المهمّة للشيعة في العراق، فقمت بطبع نُسخة من هذا الكتاب الذي يحتوي على ألف مقولة وكلمةٍ للإمام عليّ، وحوّلتها إلى مُجلّدٍ جميل.
هكذا إذا فكّرنا في "عقد دروس حول مقولات سيّدنا عليّ كما عقدنا دروس الحديث الشريف أيام الأحد، وذلك حتّى تُفهم مقولات سيّدنا عليّ وأفكاره، ولكي تُعرف وتنتشر، ولكي تتراكم وتتكوّن مادّة موثوقة حوله".
وها قد بدأنا ذلك في باكركوي بعد أن تلقّينا دعوة إليها.
وإذا كان من الضروري القيام بتلخيص مُقتضب حول سيّدنا عليّ فإنّنا نقول:
وُلد سيّدنا عليّ سنة (598) للميلاد.
أبوه هو أبو طالب، عمُّ سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم، قام بحمايته، وساعده كثيرًا... كان رجلًا حماهُ ورعاهُ عندما عاداهُ الآخرون...
كان لأبي طالب الكثير من الأولاد، وسيّدنا عليّ هو أحدُهم... وسيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم إنسانٌ وفيٌّ جدّاً، وصاحب فكرٍ مُرهف ورحيم جدّاً وصادق جدّاً... طبعًا كلّ أمْرهِ جميل، ومثالٌ لنا، وهو إنسانٌ حافظ على علاقته بأقربائه وبمن ساعدوه، إلى نهاية عمره بانتظامٍ شديدٍ...
مثلاً عندما جاء إلى المدينة لم يدخُلها مباشرةً، بل أقام في قرية قباء التي فيها مسجد قباء، وبعد ذلك اعتاد زيارة قباء كلّ يوم سبتٍ إلى نهاية حياته، فهو وفيّ للناس وللأماكن أيضًا...
دعاهُ أهل المدينة وفتحوا له أحضانهم وأعانوه، فذهب إلى قباء أوّلاً حيث كان أوّل لقائه بهم هناك، حتّى إنَّ صلاة الجمعة فُرِضت قريبًا من هناك، فصلّوا صلاة الجمعة، وأُقيم مسجدُ جُمعةٍ هناك... وهناك حديث شريف حول ذهابه إلى هناك كلّ يوم سبت، حيث كان يحُثُّ أصحابه بقوله: "من تطهّر في بيته بشكلٍ جيّدٍ يوم الجمعة فاغتسل ثم ذهب إلى مسجد قباء فصلّى ركعتين كان له أجرُ عُمرة"2.
ذهبوا إلى أبي طالب وقالوا له: "أولادُك وعِيالُك كُثُر، وبيتُك مُكتظٌّ... فلنُساعِدك...".
طبعاً هو في الأصل ابن عمّ سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنّه نشأ بجانبه كابنٍ لهُ، وبِنيلِه شرفَ الزواج من ابنتِه فاطمة الزهراء بعد الهجرة إلى المدينة المنوّرة بسنةٍ، أصبَح صهرًا لنبيّنا صلى الله عليه وسلّم، وبذلك يكون سيّدنا عليّ منبعًا ووسيلةً لوُصول سُلالة سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الأيام، ولاستمرار شجرة النسل المُحمّديّة الخالصة إلى أيّامنا، وإلى آخر الزمان...
Kكان رجُلًا مُحترمًا أسمرَ وصحيح الجسمِ، شُجاعٌ جدًّا وبطلٌ، شارك في أغلب المعارك بما فيها بدر وأُحد والخندق3 إلّا إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد كلّفه بمهمّة أخرى، وكان إنساناً حقّق نجاحاتٍ عالية جدًّا.
في غزوة خيبر وعند حصار قلعتِها قال سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم: "سأعطي الراية غدًا في وقت الظهر رجلًا يحبّ الله ويحبّه الله؛ لكي يهاجم قلعة خيبر ويفتحها"، قال ذلك في الليل فأثار ذلك فضول الجميع، "يا تُرى لمن سيُعطي سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرّاية المباركة غدًا؟.."، هو صحابيّ كريم يحبّ الله، ولكنّه شخص يشهدُ لحبّ الله له سيّدنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم... من هو يا تُرى؟..
يقول سيّدنا عمر: "لم أرغب في حياتي بشيء كما رغبتُ حينها، لقد رغبت كثيراً في أن يعطيَني سيدنا النبي الراية غداً...".
وفي الغد نظر سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه، وكان الجميع يتطاولون برؤوسهم ولسان حالهم يقول: "فَلأظهر بشكلٍ أفضل لكي يختارني"، نظروا ونظروا، ولكن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يختر من بينهم أحداً، وقال: "أين عليّ؟".
قالوا: "يا رسول الله! لقد أصابه ألم شديد في عينه، في عينه رمَد، وهو مضطجع في الخيمة، إنه مريض...". قال: "ادعوه لي!".
فدعوه له ومسح على عينيه المباركتين، فبرئ، وأعطاه الراية4، وبذلك يتراءى أنّه شخصٌ يحبُّه الله بشهادة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، فسيّدنا عليّ شخص مبارك، يُحبّ الله، ويحبّه الله.
طبعاً هو من العشرة المبشرين بالجنّة... فبينما سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم جالس ذات مرّة في بستان نخلٍ عدَّ لمن حوله عشرة أسماء قائلًا: "هذا في الجنّة... وهذا في الجنّة... وهذا في الجنة..."( )، يُقال لهؤلاء "العشرة المُبشرون بالجنة في حياتهم"، ونحن نقول اختصارًا: "العشرة المُبشّرة"، من هؤلاء سيّدنا عليّ رضي الله عنه، فمن خلال ذلك أيضاً يُعتبر إنسانًا حظِيَ بشهادة سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم.
كم حملة قام بها الأمويّون؛ لأن سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعم الأمير فاتحُ إسطنبول، ونعم الجيش الجيشُ الذي يفتحُها"6!..
كم مرّة حاولت جيوش الإسلام فتحها، حاولوا وحاولوا وفي النهاية كان فتحُها من نصيب الفاتح السّلطان محمد خان جُعل مثواه الجنّة... هذا شيءٌ مثل ذلك... فسيّدنا عليّ من العشرة المبشّرين بالجنّة، إنسانٌ بُشّر بالجنّة في حياته...
كان رابع من أسلم، أسلم وبدأ الصلاة وهو طفلٌ، وهناك كثير من الأحاديث حول ذلك...
هو إنسان تربّى وهو مرتبط بالإسلام منذ طفولته، نال ثواباً عظيماً، وسيستظلّ بظلّ العرش الأعلى، ويدخل الجنّة7.
ولأنه نشأ في الإسلام منذ طفولته، وترعرع وأتمّ حياته على ذلك فإن سيّدنا عليّاً بهذا الاعتبار أيضاً شخصٌ محترمٌ مهمّ ومُميّز...
وهو رابع الخلفاء، رابع من أسلم، ورابع الخلفاء الراشدين أيضاً... تولّى الخلافة سنة (654) للميلاد، واستشهد على يدي خارجيٍّ اسمُه ابن ملجم8 سنة (661).
والاستشهاد ليس موتًا عاديّاً، بل هو علامة على كونه من أهل الجنة... لذلك فإن سيّدنا عليّاً هو شخص مباركٌ نال مرتبة الشهادة...
كان إنساناً أديباً جدّاً، له مكتوبٌ بديعٌ أرسله إلى أميره في مصر مالك بن الأشتر، وسنجعل من ذلك أيضاً موضوع حديث، حيث سيتبيّن علوّ قيمته الأدبيّة والفكريّة أيضاً
كان إنساناً بليغاً جدّاً، وفصيحاً جدّاً، لذلك ذُكِر في مقدّمة هذا الكتاب أنه "أمير المؤمنين، وسيّد البلغاء"... وبالفعل كانت له نُكتٌ وبلاغة وفصاحة؛ هكذا كان... نسأل الله شفاعته!..
أكثر كُنية يُحبّها هي أبو تراب9؛ لأنه ذات مرة في البيت حصلت بعض الخلافات، فخرج من البيت، وذهب إلى المسجد واضطجع هناك، وعندما ذهب سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت إلى ابنته فاطمة الزهراء... هي أيضاً بشّرَها سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم بالجنّة، أمرٌ مؤكّد، هي من نساء الجنّة10.
عندما قال لها: "أين عليّ يا ابنتي؟".
قالت: "يا أبتي لقد حصل بيننا بعض الكلام، فغضب وخرج".
لقد ذهب إلى المسجد فاضطجع هناك ونام، وعندما ذهب إليه سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "انهض يا أبا تراب!..".
قال له: "انهض يا أبا تراب"؛ لأنه اضطجع فتعلّق به شيء من التراب11، ومنذ ذلك الحين صار ذلك من أحبّ الألقاب إلى سيّدنا عليّ؛ لأنّ تلك الواقعة كانت التفاتة في شكل مزحة.
ومن ألقابه أيضاً "أسد الله"12، اسمُ خادِمِكُم "أسعد" بالعين، يُكتبُ بفاصلةٍ فوقيّةٍ بعد "أس".
وهناك اسم آخر يُطلقه العرب على الأسد، وهو حيدر13، لذلك فإن من صفات سيّدنا عليّ حيدر أيضاً.
وأحياناً يقولون: "حيدر الكرّار"، كرّار تعني "الذي يكرّر مهاجمة العدوّ مرّات ومرّات"، كان أسدًا يهاجمُ مرّات ومرّات بتتابُعٍ باتجاه الأمام، والكرّ في الحرب مهمّ... هناك الفرار... "كرَّ وفرَّ"... الكرّ هو "الهجوم إلى الأمام"؛ والفرّ هو "الهروب إلى الوراء". لذلك فالفرّ ليس جيداً، "الفرار والهروب من الحرب ذنب كبير"14، الفرار من العدوّ في الحرب لا يكون إلا لِحِيلةٍ، وإلّا فلا يمكن الهروب من العدوّ خوفاً من الموت، لذلك فاز أصحابُنا بالحرب... وبما أن الفرار من العدوّ ذنب عظيم فقد قاوموا وقاتلوا.
لقد كان منسوبو الجيش العثماني كلّهم دروايش لسيّدنا عليّ، ومن المُعجبين به، وكانوا يقاومون ويقاتلون؛ لأن الفرار من الحرب ذنب عظيم، ومن جهة أخرى لأن سيّدنا عليّاً حيدرٌ كرّارٌ، وليس بفرّار، فهو يهاجم مُقبلاً مثل الأسد الزائر.
هو شاه مردان، مرد كلمة فارسيّة تعني "رجُل"، ومردان تعني "رجال"، فلاحِقةُ الجمع في الفارسية "آن"، زن تعني "امرأة"، وزنان تعني "نساء"، شاه مردان تعني "شاه الرجال وأهمُّهم وأعلاهُم".
ومعه أيضاً يرِدُ وصفٌ آخرُ سجعًا هو "شير يزدان"، شير تعني "أسد"، ويزدان كلمة تُستعمل بمعنى "الله"، شير يزدان هي أسد الله بالفارسية، تعني "أسد الله".
شير يزدان، شاه مردان، حيدر الكرّار، أبو تراب، علي المُرتضى... هذه هي صفاته.
هو شاه ولايت؛ لأنه في أعلى مستويات الولاية.
لقد قِيل: "تنزل الرحمة في الموضع الذي يُذكر فيه الصالحون"15، لذلك فأنا أعتقد أن رحمة الله ستنزل في الموضع الذي ذُكرت فيه الكلمات المباركة البليغة الفصيحة، وحياةُ كبيرنا الصالح ساكنِ الجنّة المُبارك هذا ستنزل علينا وعلى قلوبنا وأفئدتنا وداخلنا وظاهرنا...
نسأل الله تعالى أن يشفّعه فينا...
* الشخصيات التاريخية والصوفية Tarihî ve Tasavvufî Şahsiyetler: İstanbul: Server İletişim 2015، الطبعة 4 صفحة 47-58.
(1) البخاري (Buhârî)، التاريخ الكبير (et-Târîhu’l-kebîr)، ج 8، رقم (trc. no): 2045؛ الطبراني (Taberânî)، المعجم الكبير (el-Mu’cemü’l-kebîr)، ج 20، 322، حديث رقم (hadis no): 763؛ نفس المؤلف (a.mlf)، المعجم الأوسط (el-Mu’cemü’l-evsat)، ج 7، 296، حديث رقم (hadis no): 7542؛ ابن حبان (İbni Hibbân)، ج 8، 196، حديث رقم (hadis no): 5882؛ أبو يعلى (Ebû Ya’lâ)، المسند (el-Müsned)، ج 3، 137، حديث رقم (hadis no): 1568؛ الحاكم (Hâkim)، ج 4، 176؛ الهيثمي (Heysemî)، مجمع الزوائد (Mecma’u’z-zevâid)، ج 7، 593؛ ج 4، 292.
(2) متن الحديث: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ صَلَّى فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ عُمْرَةً. انظر: النسائي (Nesâî)، "المساجد" (Mesâcid)، 9، حديث رقم (hadis no): 699؛ ابن ماجة (İbni Mâce)، "الإقامة" (İkâme)، 197، حديث رقم (hadis no): 1412؛ أحمد بن حنبل (Ahmed b. Hanbel)، المسند (Müsned)، ج 3، 487، حديث رقم (hadis no): 16024؛ الطبراني (Taberânî)، المعجم الكبير (el-Mu’cemü’l-kebîr)، ج 6، 75، حديث رقم (hadis no): 5561.
(3) سيدنا علي لم يشارك في غزوة تبوك لأنّه كُلِّف برعاية عائلة نبينا صلى الله عليه وسلم. انظر: ابن الأثير (İbnü’l-Esîr)، أسد الغابة (Üsdü’l-ğâbe)، ج 1، 92، رقم (terc. no): 3789.
(4) البخاري (Buhârî)، "الجهاد" (Cihâd)، 101، 141؛ "فضائل الصحابة" (Fezâilü’s-sahâbe)، 9؛ "المغازي" (Meğâzî)، 36؛ مسلم (Müslim)،"فضائل الصحابة" (Fezâilü’s-sahâbe)، 34-35.
(5) أبو داود (Ebû Dâvûd)، "السنّة" (Sünnet)، 9، حديث رقم (hadis no): 4649؛ الترمذي (Tirmizî)، "المناقب" (Menâkıb)، 26، حديث رقم (hadis no): 3747-3748؛ أحمد بن حنبل (Ahmed b. Hanbel)، المسند (Müsned)، ج 1، 188، حديث رقم (hadis no): 1631.
(6) أحمد بن حنبل (Ahmed b. Hanbel)، المسند (Müsned)، ج 4، 335؛ ابن قانع (İbni Kâni’)، معجم الصحابة (Mu’cemü’s-sahâbe)، ج 1، 81؛ الطبراني (Taberânî)، المعجم الكبير (el-Mu’cemü’l-kebîr)، ج 2، 38، حديث رقم (hadis no): 1216؛ الحاكم (Hâkim)، ج 4، 468؛ حديث رقم (hadis no): 8300؛ ابن عساكر (İbni Asâkir)، تاريخ دمشق (Târîhu Dımaşk)، 58، 34-36 (أورد ابن عساكر الحديثَ بأسانيد مختلفة ونقل جميع الروايات بالأسانيد التي تحتويها المصنفات التي سبقتهُ. ومن بين هذه الأسانيد هناك ابن أبي شيبة وأحمد ابن حنبل والبخاري وابن إسحاق). كما ذُكر هذا الحديث في كُتُب الرجال التي تحدّثت عن الصحابيّ وبقية الرُّواة في سند هذا الحديث: البخاري (Buhârî)، التاريخ الكبير (et-Târîhu’l-kebîr)، ج 2، 81؛ نفس المؤلف (a.mlf)، التاريخ الصغير (et-Târîhu’s-sağîr)، ج 1، 306؛ ابن حبّان (İbni Hibbân)، الثّقات (Sikât)، ج 3، 31؛ الذهبي (Zehebî)، تجريد أسماء الصحابة (Tecrîdü esmâi’s-sahâbe)، ج 1، 51؛ أبو زرعة العراقي (Ebû Zür’a el-Irâkî)، ذيل الكاشف (Zeylü’l-Kâşif)، رقم (trc. no): 131؛ ابن حجر (İbni Hacer)، الإصابة (İsâbe)، ج 1، 162، رقم (trc. no): 685؛ ابن عبد البر (İbni Abdilber)، الاستيعاب (el-İstîâb)، ج 1، 170؛ ابن الأثير (İbnü’l-Esîr)، أسد الغابة (Üsdü’l-ğâbe)، ج 1، 389، رقم (trc. no): 437. قال الهيثمي: "رواته ثقات"، انظر: مجمع الزوائد (Mecmau’z-zevâid)، ج 6، 323.
(7) البخاري (Buhârî)، "الزكاة" (Zekât)، 15؛ مسلم (Müslim)، "الزكاة" (Zekât)، 91.
(8) أحمد بن حنبل (Ahmed b. Hanbel)، المسند (Müsned)، ج 1، 92، حديث رقم (hadis no): 713؛ الحاكم (Hâkim)، ج 3، 155؛ البيهقي (Beyhakî)، السّنن الكبرى (es-Sünenü’l-kübrâ)، ج 8، 56، 183.
(9) أحمد بن حنبل (Ahmed b. Hanbel)، المسند (Müsned)، ج 4، 263؛ الحاكم (Hâkim)، ج 3، 151.
(10) حول الحديث الذي نُقِل عن ابن سعد، انظر: أحمد بن حنبل (Ahmed b. Hanbel)، المسند (Müsned)، ج 3، 64، 80، حديث رقم (hadis no): 11636، 11773؛ الحاكم (Hâkim)، ج 3، 168.
(11) البخاري (Buhârî)، "المساجد" (Mesâcid)، 25؛ "فضائل الصحابة" (Fezâilü’s-sahâbe)، 9؛ "الاعتصام" (İ’tisâm)، 40؛ "الأدب" (Edeb)، 113.
(12) حول اسم الأسد، انظر: الحاكم (Hâkim)، ج 3، 116.
(13) حول اسم حيدر، انظر: الحاكم (Hâkim)، ج 3، 116.
(14) انظر: النسائي (Nesâî)، "تحريم الدّم" (Tahrîmü’d-dem)، 3، حديث رقم (hadis no): 4009؛ أحمد بن حنبل (Ahmed b. Hanbel)، المسند (Müsned)، ج 5، 413، حديث رقم (hadis no): 23553؛ الطبراني (Taberânî)، مسند الشاميّين (Müsnedü’ş-Şâmiyyîn)، ج 2، 178، حديث رقم (hadis no): 1144.
(15) يُنسبُ هذا القول لمحمد بن نصر الحارثي ولسفيان ابن عيينة. انظر: أحمد بن حنبل (Ahmed b. Hanbel)، الزهد (Zühd)، 326؛ أبو نُعيم (Ebû Nuaym)، حلية الأولياء (Hılyetü’l-evliyâ)، ج 7، 285؛ العجلوني (Aclûnî)، كشف الخفا (Keşfü’l-hafâ)، حديث رقم (hadis no): 1772.