موارد / عظماء الإسلام

االولي حجي بكتاشي والبكتاشية 1*

القراءة بلغة أخرى

بالنتيجة يمكن لنا القول بأن حجي بكتاش المرشد والأخلاقيّ هو من بين الشخصيات الكبيرة التي وضعت الأساسات المعنوية للإمبراطورية العثمانية العظيمة. وفي حين كان مولانا كاتب المثقفين، ومنبع فيض الصّنّاع، فقد قام هو (حجي بكتاش) بتبيين الطريق بوصفه زعيم المحاربين، ومرشد الشجعان، ومنحَهُم التوجيه والحماس، وفتح البلدان والأمصار من جهة، وتوجه نحو الشعب كما رأينا ذلك في شخص يونس، وقام بخدمة المعرفة الشعبية بشكل مباشر، واللغة والأدب التركيّين بصورة غير مباشرة، وعاش في قلب الملايين لعُصورٍ من جهة أخرى.

البروفيسور محمود أسعد جوشان (رحمه الله)

البروفيسور محمود أسعد جوشان (رحمه الله)

كانت منطقة قرشهير في كبادوكيا في القرنين الثالث عشر والرابع عشر منطقةً ذات أهميّة خاصّة من حيث الثقافة التركية، حيث عاشت في هذه الأنحاء ألمَعَ أزمانها في عصر الحكم الإيلخاني مع نهاية دولة سلاجقة الأناضول؛ وكانت مصدرًا للقُوى المعنوية والمادية اللازمة لحملة الفتوحات العثمانية، غير أنها لم تستطع أن تحافظ على حيويّتها السابقة على إثر تشكل الإمبراطورية العثمانية بسبب انتقال السّكان، والحركات الثقافية باتجاه المناطق الغربية.

كثيرٌ من الشعراء والمتصوفون أمثال الكلشهري صاحب ترجمة نظم منطق الطير، وصاحب نظم غريب نامه المشهور عاشق باشا (1272-1333)، والعديد من القديرين الاستثنائيين أمثال أخي اورن (ايفرين) شيخ الصُّنّاع والمهنيّين، وجاغا باي فاتح إزمير، والشيخ أدب علي حموُ (والد زوجة) الغازي عثمان، وحجي بكتاش مؤسّس البكتاشيّة، كانوا ينتمون إلى قرشهير التي كانت في موقعٍ مركزيّ من الطريقة البكتاشية، ومن مؤسّسة الأخوّة والفتوّة التي لعبت دورًا كبيراً في تأسيس الدولة العثمانية.

بما أن مواضيع حجي بكتاشي والطريقة البكتاشية بشكل خاصّ قريبة التعلّق بالعديد من المسائل الدينية، والاجتماعية، والعسكرية، والثقافية بقدر تعلّقها بالتاريخ السياسي للأتراك، فإنها اليومَ تكتسب علاقة واسعة داخل تركيا وخارجها.

نحن لا نملك معلومات مفصّلة عن حياة حجي بكتاشي مع الأسف، والظاهر أنّه عاش بين عامي 606-669/ 1209-1270([1]).

كما أن بين أيدينا كتاباً يتحدّث عن حياته يُعرف باسم ولايت نامه، أو مناقب نامه حجي بكتاشي خرساني.

غير أننا لا نستطيع أن نثق كثيراً بهذا الأثر الذي يحمل بعض الإفادات التي لا يمكن أن تتوافق مع الحقائق التاريخية، والكرامات، والخوارق؛ لأنه كُتِب على إثر فقدان الطريقة لهويّتها الأولى التي في طور التأسيس بفعل تأثيرات خارجية، وتعرّضها لتغييرات مهمّة، بعد وفاة حجي بكتاشي بكثير، لم يتمّ تأليفه بالاستناد إلى وثائق موثوقة، بل من خلال جمع الروايات الشفهيّة([2]).

هذا الكتاب يُكثر من ذكر حجي بكتاشي بصفة "هنكار"([3])، ويُورِدُ أنّه وُلد في مدينة نيسابور من خراسان لأبٍ من سلالة علي رضي الله عنه، هو السيد إبراهيم الصانع، وأمّ اسمُها خاتم خاتون.

وبالرغم من الزعم بأن حجي بكتاشي قد تربّى على يدي متصوّف اسمُه لقمان برنده، وبأنه التقى بشيخ تركستان الكبير أحمد يسوي، وجاء بأمر منه إلى الأناضول إلّا أن هذا الأمرَ الأخيرَ يستحيل قبوله؛ لأن أحمد يسوي تُوفّي في 562/1167.

ويظهر من خلال مصادر متنوعة أنه شيخٌ تركماني من خراسان، تلقّى ثقافةً دينيّة وصوفيّة قويّة، وتجول في العديد من المُدن، وبعد ذهابه إلى الحجّ جاء إلى الأناضول مع أخيه منتش، وأقام بمُدن قيصري وقرشهير وسيواس ـ وولِدَ أخوه في سيواس ـ وأنه انتسب فترةً من الزمن إلى الشيخ البابائي بابا إلياس الذي كان خراسانيّا مثله([4]).

استقرّ حجي بكتاشي في صولوجا قاره هيوك([5]) التي تقع على بعد 40 كيلومتراً جنوب شرقي قرشهير، والتي كانت في ذلك الوقت تتكون من سبعة بيوت.

وقد كان من بين العادات الدينية والاجتماعية السائدة في ذلك الوقت تأسيسُ الخانات والزوايا على جوانب الطرقات لإعمار الأراضي المحيطة بها، وتأمينها، وتوفير الاحتياجات، والأمن، والاستراحة للمسافرين ذهاباً وإيّاباً.

ووجودُ قاره هيوك على طريقٍ عامرٍ يُستخدمُ منذ العصور القديمة، وبُعدُها عن قرشهير بمسافة مناسبة بالضبط لاستراحة السفر يُعطي انطباعاً بأنّها مركزٌ للإقامة أُسِّس على أساس تلك العادة([6]).

لقد وُفِّق حجي بكتاشي في جمع كثيرٍ من الدراويش حوله في هذا المكان([7])، وأرسل العديدَ من خُلفائِه إلى بلداتٍ مختلفةٍ، وبالرغم من ذكرِ مناقب نامه لالتقاء حجي بكتاشي بالعديد من الأشخاص مثل أكجا كوجا، وصاري صلتق، وقاره جه أحمد، وطبتك أمره، ويونس أمره، وأخي أوران، وسيّد محمود خيراني، بل وحتّى عثمان غازي الذي كان فتًى، وعلاء الدين قيقوباد، إلا أننا محرومون حاليّاً من إمكانيّات تحقيق هذا الأمر.

توفي حجي بكتاشي في صولوجا قاره هيوك سنة 669/1270، وهناك العديد من الوثائق التي تؤكّد صحة وفاته في هذا التاريخ([8]).

ويوجد اليوم حول ضريحِه العديد من الأبنية التي تثير الاهتمام من خلال طُرُزِها المعمارية الجذابة، والتي أُنشِئت في تواريخ مختلفة([9])، كما تُنظّمُ في كلّ سنة أيّام 16 و18 أغسطس مراسم تذكارية بحُضور نفرٍ غفير من الزوّار في هذه التكيّة الكبيرة التي تُسمّى "بير أوي".

بالرغم من أن حجي بكتاشي يُعرف عنه تأليفُه للعديد من المؤلّفات في التّصوّف([10]) إلّا أن أشهرها وأهمّها هو مقالاته([11]).

وبما أن تشكّل بقيّة الوثائق التاريخية مبهمٌ وغير كافٍ، فإنّه كان سبباً في تضخّم قناعاتٍ مختلفةٍ حول حجي بكتاشي منذ زمن، أما المقالات فهي تحتوي على مادّة قيِّمة تُساعد على فهمنا لشخصيّته وأفكاره.

فمن خلال هذا الأثر يُفهم بالتأكيد أن حجي بكتاشي متصوّف ناضجٌ، وصافٍ، ومخلصٌ جدّاً.

تتكون المقالات من هذه الأقسام الثمانية:

أربع مجموعات من الناس؛ أوصافهم وأساليب عبادتهم.

مقامات الشريعة.

مقامات الطريقة.

مقامات المعرفة.

مقامات الحقيقة.

ماهية القلب وأحواله.

الشيطان والطباع السيّئة التي تُساعدُه.

أسلوبُ خلق الإنسان وقيمتُه.. إلخ.

يُقسّم حجي بكتاشي المسلمين ابتداءً إلى أربع مجموعات:

1 – أهل الشريعة العابدون.

2 – أهل الطريقة الزاهدون.

3 – أهل المعرفة العارفون.

4 – أهل الحقيقة المحبّون (العُشّاق).

ويرى أن أصحاب المجموعتين الأوليين غير ناضجين، وأن أصحاب الأخريين ناضجون وكاملون.

كما يرى أن الشريعة بابٌ رفيعٌ؛ لأنها تُبيّن حكم كلّ شيء نظيف ووسخٍ، حرامٍ وحلالٍ، هذه الأحكام يجب تعلّمها، يجب القيام بما أمرَ الله تعالى بفعله في القرآن، واجتناب ما نهى عنه، ولكن تعلُّم معلومات الشريعة فقط لا يُنضجُ الإنسان.

أهل الطريقة الدراويش يذكرون الله ليلاً نهارًا، ويقومون بعباداتٍ كثيرة، ويستعدون للآخرة، ولكن يجب أن لا تكون غايةً جافّة، وحركاتٍ لا روحَ فيها، خاصة وأن العبادات إذا ضُخِّمت في العين، وتحوّلت إلى نوع من الغرور، فإنها لا يمكن أن تُوصِلَ إلى الكمال أبدًا.

أما العارفون أصحاب المعرفة فأولئك مثل الماء طاهرون مُطهِّرون، محبُوبون من عند الله؛ لأنهم يريدون الإله فقط بكلّ إخلاص، وبلا تفكير في المنفعة الدنيوية والأخروية، وخاصّة لأنهم يُراعون الأدب كثيرًا.

أما المُحبُّون أهل الحقيقة فهُم أرقى النّاس وأنضجُهم، صاروا أصحاب تواضع ورضًى وتسليمٍ، وألغَوا شخصيّاتهِم، وذابوا في ذات الإله، ووصلوا إلى مقام المناجاة والمشاهدة الدائمة، وصاروا أشخاصًا مُقدّسين عُشّاقًا للإله.

وكذلك فإن داخل كلّ باب من "الأبواب الأربعة" المتتالية ـ أي الشريعة، والطريقة، والمعرفة، والحقيقة ـ عشرُ مقاماتٍ بحيث يحتوي الطريق المُتَّبع للارتفاع إلى هذه المرتبة الأخيرةِ على أربعين مقاماً بالتمام، وأيّما عبدٍ لم يمُرّ من هذه المقامات الأربعين واحداً واحداً دون إهمالٍ أو تجاوز لأحدها فإنه لا يمكن أن يصل إلى الإله.

مثلاً إذا آمن شخصٌ بلسانه، ولم يؤمن بقلبه، أو لم يخرج عُشرَه وزكاته على التمام، أو كان ذاهباً إلى الحجّ فرجع من الطريق، أو اعتبر أحد أحكام الإله باطلةً، أو لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو لم يؤمن بأحد صحابته، فإن جميع أعماله التي قام بها تذهب هباءً (نشرُ سفر آيتكين، ص: 58).

إن العناصر الرحمانية والشيطانية في حالة حرب دائمة في داخلنا، سلطان أحد الطرفين هو العقل، ونائبه الإيمان، وقادتُه هم المعلومة، والكرم، والحياء، والصبر، واجتناب الذنوب، وخوف الإله، والأدب، ونحوها من الأوصاف الإيجابية، ولكل واحد منهم مئات الآلاف من العساكر.

وسلطان الجبهة المقابلة هو إبليس، ونائبها النفس، وقادتُها الطِّباعُ السيّئة مثل الكبر، والحسد، والبخل، والطمع، والغضب، والنميمة، والنفاق، والقهقهة، ولهؤلاء أيضاً مئات الآلاف من العساكر.

من دون معرفة نفسِك وطباعها الإيجابية والسلبية لا يمكن أن تكون نتيجة مجاهدة النفس ناجحة، لهذا السبب يُصِرّ حجي بكتاش على تلقين أن الإنسان عليه أن يصرف أنظاره إلى عوالمه الداخليّة، ويسعى إلى معرفة ذاته، ويُبيّن أنَّ مَن لا يعرفون أنفسهم لن يعرفوا الإله؛ لأن الإلهَ أقربُ إلى الإنسان من حبل الوتين.

ولأنه يُولي أهميّة بالغةً لهذا الموضوع فقد وقف عند بدنِ الإنسان في أحد أقسام الكتاب، فهو يسعى إلى القول بأن الإنسان "عالَمٌ صغير" من خلال الإشارة إلى التشابه بين البدن، وبين العالم الخارجي والكائنات.

إن أكثر ما يحزَنُ له حجي بكتاش هو التباهي، والرياء، والتضادُّ في المعيشة.

"أيها المسكين! لقد احتار الإيمان داخلك، تقول: إنك آمنت بالإله، ولا تلتزم بأوامره، تقول: إنك آمنت بالملائكة، وترتكب عندما تكون بمفردك القبائحَ التي لا تفعلها بجانب الناس خجلًا منهم، في حين أن في بدنك 360 ملكًا مُكلَّفًا، تقول: بأنك آمنت بالكتاب وبالقرآن وفي قلبك وأفعالك توجد أنواعٌ من السيّئات، أيُّ كتابٍ يُدوّنُ قيامك بتلك الأفعال! حتّى عباد الله الأولياء لا يمكن أن يكونوا على ثقةٍ من أحوالهم مع أنهم يجوعون يوماً، ويشبعون يوماً، ويقومون بالعبادة ليلاً ونهاراً، فهم يخافون من احتماليّة بقائهم في حالٍ سيّئة، ومن أنهم سيُحجبون في الآخرة.

يا أنت، أتظُنّ أنّ أعمالك الناقصة التي قمت بها لن تُرمى في وجهك!" ( ص: 47).

"إذا كان بداخلك سوءٌ فإنه لا فائدة من تنظيفك لظاهرك؛ لأنك إذا وضعت وسخًا في قارورة، وأحكمت إغلاق فمها، ثم غسلت ظاهرها ألف مرّة في اليوم لمدة عشر سنوات، فإن داخلها سيظلّ متّسخًا.

حينها يَا لَعَارِكَ إن كان في داخلك الكبر، والحسد، والبخل، والطمع، والغضب، والغيبة، والقهقهة، والنفاق!

إذا كان بداخلك هذا القدر من السّوء هل يمكن أن تغتسل بالماء فتطهُر؟ واحدة من هذه الصفات التي أحصيناها إذا وُجدت في شخصٍ ما فإن جملة طاعته وعبادته تذهب هباءً، فكيف يكون حاله إذا وُجِدت فيه ثمانيتُها؟" (ص: 33).

يولي حجي بكتاش أهميةً بالغة لمحبّة الإله، ولعبادته بشغف، ولهذا فهو يُبرز المُحبّين أي العشّاق على أنّهم أرقى مجموعة من المسلمين، وقد كانت مدينة نيسابور في خراسان التي وُلد وتربّى فيها مهدًا للملامية المشهورة بميلها إلى الإخلاص، وإلى اجتناب التباهي والرياء بشدّة، وإلى تبني طريق العشق والجذب للوصول إلى الإله.

الفقرة الشاعرية التالية تُبرز أفكار حجي بكتاش حول موضوع العشق الإلهي:

"عندما يقول وليٌّ: "يا رب"، يجيبُه الإله تعالى: "لبيك"، أي: "تفضل"، فيخرج من هذا القول وهذا الجواب نورٌ، ومن شُعلة ذلك النور تتفتَّحُ مئات آلاف الأزهار تحت السماء السابعة، فتمتلئ السماء السادسة بنور تلك الأزهار، والسماء الخامسة برائحة العنبر، والرابعة برائحة العبير، والثالثة برائحة الريحان، والثانية برائحة المسك، والأولى برائحة الورد، وتنتشر الرحمة على وجه الأرض، وتصبح العوالم مضيئة، وتُبارك الملائكة لبعضها البعض في السماوات السبع، وتجمعُ تلك الأزهار فتُزيّن بها الجنّات الثمانية.

عندما ينتهي عمر عبدٍ يحبّه الله تأخذ الملائكة من تلك الأزهار، وتُعطّره بها، فيصبح ثمِلًا، ثم تقبض روحه، وهو كذلك فلا يتعرض أبدًا لخوف الموت، ولا عذابه، فنساء مصرَ قطَّعْنَ أيديَهنَّ بدلاً من التفاح بسبب اندهاشهنّ عند رؤية جمال يوسف عليه السلام، ولكنّهنّ لم يشعُرن بذلك". (ص: 37).

لقد كان لدى حجي بكتاش تسامُحٌ ومحبة لا متناهية للناس، فهو يرى أن الإنسان الناضج يجب أن يكون متواضعاً مثلَ التراب، ويجب أن لا يحتقرَ الاثنين والسبعين ملّةً، وأن لا يعيبها، عليه أن يُحسنَ معاملة جميع الأرواح والناس والحيوانات التي في العالم، وأن لا يُسيء إليها.

وبالرغم من أن العديد من الباحثين المعاصرين يرون أنه شخص باطني فإن هذا الزّعم كما تبيّن معنا لا يتّفق أبدًا مع الأفكار التي لخّصناها قبل قليل.

أما إفادة الأفلاكي([12]) بأنَّ (حجي بكتاش) لا يُوافق الشريعة، ولا يُصلي مع كونه صاحب عرفان وتنوير، فهي تبقى بلا أساسٍ تمامًا أمام بيانات حجي بكتاش الصريحة والقاطعة التي تقدّم ذكرُها.

أما إقراره بالاثني عشر إماماً، وتوصيته بالتولي والبراء، وميله إلى الشيعة الاثني عشرية فهي أيضا ادّعاء لا أصل له([13]).

ومع أن أسلوب الكتاب يخاطب الأتراك، ويستدلّ كثيراً بالآيات والأحاديث، فإن مراعاته لأصول التعامل بين العلماء في ذلك العصر، وكتابته باللغة العربية يحملُ معنًى، ويبيّن أن حجي بكتاش كان مُحافظاً.

لحجي بكتاشي وللبكتاشية علاقةٌ بطريق الفُتوّة وبتنظيمها، و"الفتوة" مصطلح صوفيّ يعبّر عن امتلاك طِباعٍ جيّدة مثل الشجاعة، والكرم، والإيثار، والفداء، والخلوّ من حظ النفس، والثبات، والوقار أمام المِحَن، والصفح عن الآخرين.

في بداياته استقرَّ هذا التنظيم الاجتماعي الذي اتخذ من أخلاق الفرسان التي تقدم ذكرها شعاراً له في كلٍّ من إيران، والعراق، وسوريا، ومصر بشكل جيّد، وتماهى مع التصوّف، ونحن نرى أنه كان موجوداً بشكل حيويّ جدّاً في الأناضول في القرنين الثالث عشر، والرابع عشر.

مثلاً كان ابن بطوطة الرحالة المشهور لذلك العصر يُستضافُ دائماً من طرف هذا التنظيم خلال رحلاته.

وهو (ابن بطوطة) يمتدح الإخوة بحرارةٍ، ويُقدّم معلومات مهمّة جدّاً عن هذا التنظيم الذي يجتمع أفراده بسرعة بأمر من شيخٍ يُسمّى بـ"أخي"، ويلبسون ثيابًا خاصّة، ويُبدون حفاوةَ استضافةٍ مُدهشة حتى للمسافرين والغرباء، ويحمُون البلدة التي يعيشون فيها بقوّة السلاح عندما يستوجب أمنُها وراحتُها ذلك، ويُعادون الظالمين بلا هوادة، وفي ذات الوقت يهتمُّون بحياة التجارة والصناعة وبأنواع الحرف.

هكذا إذاً كان للبكتاشية في أوّلها ارتباطات عميقة وحميميّة بالآخيّة، فملامتيّة خرسان التي ينتسب إليها حجي بكتاش امتزجت منذ بزوغها مع أهل الفتوّة، وكثيرٌ من المتصوّفة المشهورين اعتمدوا الطريقين معًا([14]).

أورد كتاب حجي بكتاش ولايت نامه سي: أن حجي بكتاش وأخي أوران الذي يُعتبر شيخ الصّناع والحرفيين في الأناضول كانا صديقين حميمين، بل وأنّ أخي أوران قال: "كلّ من اتّخذني شيخاً فإن حجي بكتاش شيخه أيضاً".

والأمر كذلك فعلًا فقسم كبير من أوائل مُحبّي حجي بكتاش انتسبوا إلى الآخيّة في ذات الوقت، فاتّبعُوا وفود المجموعات التركمانية، والتحقوا بالفتوحات العثمانية التي انتشرت في غرب الأناضول، واستقروا في المناطق الرومية، وفي البلقان، وأدخلوا أهلها إلى دائرة الثقافة التركية.

وكلّ ما في البكتاشية من مراسم دخول الطريقة، وطقوس تقبيل عتبة الباب، وربط الحزام، والشرب المشترك للمشروب من نفس الكأس، والتفصيلات المتعلقة باللباس، والترجمات (الأدعية) التي تُقرأ في المراسم هي بتمامها مقتبسة من الآخيّة([15]).

أما الروايات المتعلقة بدُعاء حجي بكتاش للإنكشارية، ومباركتِه لأزيائهم فيظهرُ أن سبب ظهورها هو أن أمثال قاره رستم، وسيد علي سلطان، وغازي أورنوس، وأبدال موسى الذين شاركوا في الفتوحات الأولى، وقاموا بتأسيس نظام الإنكشارية كانوا على ارتباط بالآخيّة، وبحجي بكتاش، وإلّا فإن حجّي بكتاش قد تُوُفّي قبل ظهور الإنكشارية، بل وقبل إنشاء البكوية العثمانية.

لقد كان الإنكشارية يعتبرون أن حجي بكتاش هو شيخ حِرَفِهم، كما أن بعض السلاطين العثمانيين وقادة القوات المتصارعة في المناطق الرومية كانوا قد أنشؤوا أبنيةً في تكيّة حجي بكتاش أمين سرّ المُحاربين، وأوقفوا عليها أوقافًا، ومدُّوا لها حنفيّاتِ ماءٍ.

وقد كان هناك دائما وُكلاء لحجي بكتاش في الطابور الرابع والتسعين للإنكشارية، يُسمّون بـ"انكشارية حجي بكتاش"، ويقوم آغا الإنكشارية بإلباس التاج لآباء البكتاشية في مراسم تغييرهم.

وبسبب قُرب العلاقة والمودة بين هذين التنظيمين كانا يتقاسمان المِحن أيضاً، فعندما قام محمود الثاني سنة 1826 بالقضاء على الإنكشارية أغلقَ الطريقة البكتاشية أيضاً.

كُلّ هذه المسائل هي مظاهر حيّة للعلاقة الإنكشارية ـ البكتاشية.

حجي بكتاش ومولانا ويونس إمره:

لقد كان حجي بكتاش معاصرًا للمتصوّف الكبير مولانا جلال الدين الرومي، وبما أن مولانا (1207/1273) المعروف بـ "مولا هونكار" كان منتسبًا لملامتية خراسان فقد كان بينهُما كثير من التقارب الفكري، فكِلاهُما حسنُ النظرة إلى جميع أنواع الناس، ومتّسع النظرة، ومُتسامح، وإنسانيّ، غير أن مولانا استعمل الفارسيّة التي هي لغة الأدب، وخاطب الطبقة العليا والمثقّفين، في حين أن حجي بكتاش كان مؤثّراً على القرويّين، والمحاربين.

لقد طغى تأثير مولانا على كابادوكيا كلّها، ووصل إلى قرشهير، وقد قام الشيخ سليمان التركماني، ومحمد الأكسرائي اللذين كانا من منتسبيه بإنشاء تكايا مولوية في هذه المدينة([16]).

كما كان من بين مُحِبّي مولانا الأمير نور الدين بن جيجه قاضي قرشهير الذي أنشأ بها مسجداً ومدرسة سنة 672/1273.

وقد سجّل الأفلاكي (761/1360) حادثة إرسال حجي بكتاشي لخليفةٍ له اسمُه الشيخ إسحاق مع بعض الدراويش إلى مولانا في قونيا([17])، هذه الحادثة المسجّلةُ أحسنَ إحياءها متصوّفان اثنان أحدهما مُربٍّ صافٍ ووقورٍ ومُتّزنٍ، مُتجنِّبٍ للتباهي، والآخر شاعر مُتحمّس وعاشقٌ قد غاب عن نفسه.

يقول حجي بكتاش لمولانا من خلال الرجال الذين أرسلهم:

"ماذا تفعل وماذا تريد؟ ما هذه الولولة التي تنشُرها في الآفاق؟ إذا كنت قد وجدتَ ما تبحث عنه فقد تمَّ لك مقصدُك، أفلا هدأتَ وأخمدتَ صوتك، وإذا لم تكن قد وجدتَه أفلا يكون إحداثُك للبلبلة، واستجداؤكَ للأنظار، وإحداثك للضّجّة من التباهي الذي لا معنى له؟".

لقد كان حجي بكتاش مُحقّاً في هذه النقطة التي اعترض عليها، وأصدر بموجبها محاكمة، غير أن مولانا وجد طريق محاكمةٍ مناسباً، وردّ من خلال شعر ظريف:

"إذا لم يكن لكَ حبيبٌ فلماذا لا تبحث؟

وإذا كنت وصلت إلى حبيبك فلماذا لا تقيم عُرسًا وعيدًا؟

تجلس هادئاً وكسولًا وتقول: ما هذا الأمر العجيب؟!

الأصل أنكَ أولى بالعجب حيث لا تحمل توقًا لسلوك طريقٍ كهذا عجيبٍ ولكنه مُمتع"

لقد تواصلت العلاقة بين البكتاشية والمولوية بعد حجي بكتاش ومولانا، حتّى إنّ ديوانه محمد جلبي ذهب من قونيا لزيارة بلدة حجي بكتاش في القرن الخامس عشر، وقد جعل بجانبه دراويش من البكتاشية([18]).

كما نجدُ أن كتاب حجي بكتاش ولايت نامه الذي أُلِّف في القرن الخامس عشر قد استُخدِمت فيه عبارات ودّيّة حول مولانا.

إن أفكار حجي بكتاش التي سبق أن ذكرنا مُلخّصها تُرصدُ بحذافيرها في أشعار يونس إمره (1320) أحد أكبر الشعراء في الأدب التركي.

فيونس أيضاً يتحدث عن الأربعين مقاماً، والأربعة أبواب، والمناجات الدائمة، ومشاهدة الإله، وعدم استحقار الإثنين والسبعين ملّةً، والصراع الدائم بين القوى الرحمانية والشيطانية في داخلنا، وسلطانيْ الجبهتين وقادتهما وعساكرهما، والطباع السيّئة والجيّدة([19]).

وحتى إذا ما سلّمنا بأن قسمًا منها تمّ إضافته في وقت لاحق إلى ديوان يونس([20]) فإنه بسبب وجودٍ قسمٍ آخر منها بحذافيرها في الرسالة النّصحيّة فلا يمكن أبدًا إنكار وجود ارتباط قويّ بين حجي بكتاش ويونس إمره، إما بشكل مباشر أو بطريقٍ سببيّ.

سعيد أمره أيضاً أحد شعراء القرن الخامس عشر يتحدّث في أشعاره باحترامٍ عن حجي بكتاش، ويستعمل أفكاره ومصطلحاته.

كلّ هذه الأمور دلائل تُبيّنُ أن البكتاشيّين ألّفوا أشعاراً باللغة التركية ضمن أشكالٍ موافقةٍ للذوق القومي منذ العصور الأولى، وأنهم لعبوا دوراً كبيراً في تطوّر اللغة والأدب التركيّين.

لقد انتشرت البكتاشية خلال وقت قصير في البلدان التي وقع فتحها بسبب الإنكشارية خاصة، غير أن هذا الانتشار فتح الباب أمام التشتّت الفكري بسبب عدم وجود أدبيّاتِ طريقةٍ قويّةٍ، وعدم تحديد العقائد المشتركة بشكل قطعي، وعدم تأسيس تنظيم مركزي منذ بداياتها.

ومع الوقت ظهرت مجموعات مُتّهمَةٌ مثل الحيدرية، والقلندرية، والحروفية، والأدهمية في هذه الطريقة الصافية والمحبوبة، وحصل تماسٌّ في الحدود مع بقية الثقافات والأديان، وحصلت تأثيراتٌ بفعل الوافدين، وظهرت منذ القرن السادس عشر دعاية شيعية كثيفة قادمة من إيران، فأدّى كلُّ ذلك إلى ظهور طريقة بكتاشيّةٍ مغلقة، ومظلمة، ومتعدّدة الأجناس، تُؤوي تحت سقفها أنواعًا مختلفة من الناس من المُتشرّع إلى الملحد.

يُشير الباحثون بشكل خاص إلى هذه المسألة، وينبِّهون باهتمامٍ إلى الفرق العميق بين دراويش العصر الأول الحيويّين، والبنّائين، والصافين، وكثيري الفائدة، وبين الفئات اللاحقة التي فقدت تلك الوظيفة، وابتعدت عن الغاية والمثال([21]).

بالنتيجة يمكن لنا القول بأن حجي بكتاش المرشد والأخلاقيّ هو من بين الشخصيات الكبيرة التي وضعت الأساسات المعنوية للإمبراطورية العثمانية العظيمة.

وفي حين كان مولانا كاتب المثقفين، ومنبع فيض الصّنّاع، فقد قام هو (حجي بكتاش) بتبيين الطريق بوصفه زعيم المحاربين، ومرشد الشجعان، ومنحَهُم التوجيه والحماس، وفتح البلدان والأمصار من جهة، وتوجه نحو الشعب كما رأينا ذلك في شخص يونس، وقام بخدمة المعرفة الشعبية بشكل مباشر، واللغة والأدب التركيّين بصورة غير مباشرة، وعاش في قلب الملايين لعُصورٍ من جهة أخرى.


* مقالات أكاديمية، اسطنبول،. Akademik MakalelerServer İletişim، 2017، (ص: 155، 165).

([1]) في السابق كان المُعتمد أنه عاش بين عامي 646-738/1248-1337. ولكن كُلبينارلي أحد الباحثين المعاصرين تمكّن من تأكيد التاريخ المذكور في الأعلى من خلال مؤلفات مخطوطةٍ موثوقةٍ. انظر: Gölpınarlı, Menâkıb-ı Hünkâr Hacı Bektâş-ı Velî “Vilâyetnâme”, s. 19-20

([2]) ألّفهُ نثرًا بِكتاشيٌّ اسمه موسى بن علي، ولقبُه سُفلي درويش في سنة 844/1440، وفي نهاية القرن الخامس عشر نظمهُ فردوسي طويل البورصوي. ثمّ تمّ نظم الكتاب مرّة أخرى بيد علي نهائي بن الحاج محمد توفيق اليوزغادي بعد أن رأى أن لغة النّظم الأول قديمةٌ (للوصول إلى النسخة انظر: Ankara İl Halk Kütüphanesi, Eski Eserler Bölümü, nr. 1750). تُرجِمَ كتاب ولايت نامه إلى اللغة الألمانية أيضاً، انظر: Gross, Das Vilayatnâme des Haggi Bektasch, Leipzig 1927.

([3]) هنكار هي تحريف لكلمة "هداونديكار"، وتعني "حكم دار، سلطان، أفندي". والاسم الأصلي لحجي بكتاش هو محمد.

([4]) انظر: عاشق باشا زاده، تواريخ آل عثمان، ص 204.

([5]) هي اليوم بلدة حجي بكتاش التابعة لولاية نوشهير.

([6]) انظر: Barkan, “İstilâ Devirlerinin Kolonizatör Türk Dervişleri ve Zâviyeler”, Vakıflar Dergisi, II, (Ankara 1942), s. 279-386

([7]) من المؤكّد أن المسمّين بالبابائيين والآخيّين والخراسانيّين يحبُّونه. ونحن نؤمن بأن ما ذُكر في مناقب نامه حول هذا الموضوع يُعبِّر عن الحقيقة.

([8]) انظر: Birge, The Bektashi Order of Dervishes, s. 40-41. مع أنّ هذه المعلومات التي أُعِدّت بدقّة عالية وبتدقيق بالغ أصبح بعضها قديماً إلا أنه أُعيد طبعُها كما هي سنة 1965.

([9]) انظر: Hamid Zübeyr, “Hacı Bektâş Tekkesi”, Türkiyat Mecmuası II, (1926), s. 365-382; Noyan, Hacı Bektâş’ta Pirevi ve Diğer Ziyaret Yerleri, İzmir 1964.

([10]) تفسير سورة الفاتحة لحجي بكتاشي الذي قيل أنه موجود في تيره [Köprülü, “Les Origines du Bektachisme”, ayrıbasım Paris 1926, tercümesi: Türk Yurdu, II, (Mayıs 1341) nr. 8] لم نتمكن من العثور عليه هناك. يُشار إلى أن كتاب فوائد (ترجمته التركية: Hünkâr Hazreti Hacı Bektâş-ı Velî’nin Vasiyetnâmesi, İstanbul 1959) الذي توجد نسخة منه في مكتبة جامعة إسطنبول في قسم المخطوطات الفارسية تحت رقم 55، وكتاب مقالات غيبية وكلمات عينية المنسوبين لحجي بكتاش هما مؤلَّفان مزيّفان (انظر مادّة "Bektâş" في Türk Ansiklopedisi). أما بعض الأشعار التي تحمل اسم حجي بكتاش (Rieu, Catalogue of the Turkish Manuscripts in the British Museum, s. 261b) فمن الأكيد أنها لشخص آخر عاش في زمن لاحق. وهناك شطحيّة لحجي بكتاش زُيِّنت مواضع منها بأشعارٍ وشرحها أنوري في 1091/1680 باسم تحفة السالكين. كما ادُّعِي أن هناك شرحًا للأربعين حديثا يعود لحجي بكتاش (انظر: Gölpınarlı, Yûnus Emre Hayatı, s. 302).

([11]) حتى وإن لم تقع في أيدينا النسخة الأصلية العربية الكاملة من المقالات فإن القسم الذي يتحدث عن الأربعين مقاما موجودٌ في مخطوطٍ بمكتبتنا الشخصية. تُرجم المؤلَّفُ إلى التركية في القرن الرابع عشر أو الخامس عشر ويوجد في المكتبات كثير من مخطوطات هذه الترجمة المنثورة. كما طُبع مرّتين بالحروف القديمة في إسطنبول ونُشِر مرّة بالحروف الجديدة (Sefer Aytekin, Hacı Bektâş-ı Velî Makâlât, Ankara 1954). وقد تم نظم هذه الترجمة المنثورة أيضاً بيدِ مدرّس اسمُه تاج الدين خطيب اوغلو سنة 812/1409 في إزنيك وأُهدِيَ إلى جدِّه أخي أو ربّما إلى البكتاشي المشهور جندرلي خليل باي الثاني (انظر: Coşan, Hatiboğlu Muhammed ve Eserleri, s. 3-29).

([12]) Eflâkî Dede, Menâkıbü’l-Ârifîn, (yazılışı 1318), Tahsin Yazıcı tarafından neşredilen metin 497-499 ve 381-383, Türkçe tercüme I, 539-540 ve I, 411-414.

([13]) تولّى وتبرّى هما كلمتان بمعنى محبّة أحباب سيّدنا عليّ ونسله ومعاداة أعدائه وبغضهم، وهما معا مبدأ من مبادئ مذهب الشيعة. أما الشيعة الاثنا عشرية فهم الفرع من الشيعة الذي يؤمن بالاثني عشر إماماً. ظهرت هذه النسبة إلى حجي بكتاش أول مرة على يد المرحوم فؤاد كوبرلي، وانتشرت استنادًا إلى بعض أبياته الموجودة في نسخة نظم ترجمة المقالات التي بمديريّة أمنيات عموم (“Anadolu’da İslâmiyet”, Darülfünun Edebiyat Fakültesi Mecmuası, sy. 4, 5, 6, (İstanbul 1922), s. 87). ثم ردّدها جميع الباحثين بعد ذلك. في حين أن هذا الادعاء لا سند له لأن الأبيات التي اعتُمِد عليها غير موجودة في نسخة تامّة وأقدم من الكتاب نشرتها كلية الآداب بجامعة إسطنبول، ولأن الأبيات أقحمها الناسخ في المتن، والأهم هو لأنها وُجدت في المقدّمة التي أضافها الناظم والمترجم خطيب اوغلو وليس في داخل المقالات.

([14]) مثلاً المتصوف الكبير أبو عبد الرحمن السّلمي (ت 412/1021) ألّف في نفس الوقت مؤلّفات حول الموضوع.

([15]) انظر: Gölpınarlı, “İslâm-Türk İllerinde Fütüvvet Teşkilâtı ve Kaynakları”, İstanbul Üniversitesi İktisat Fakültesi Mecmuası, XI, s. 6-354; Çağatay, “Fütüvvet-Ahî Müessesesinin Menşei Meselesi”, Ankara Üniversitesi İlahiyat Fakültesi Dergisi, sy. 1, s. 59-68; sy. 2, s. 61–84; Kafesoğlu, ”Selçuklular”, İslâm Ansiklopedisi, X, 408.

([16]) انظر: Darkot, “Kırşehir”, İslâm Ansiklopedisi, VI, 765.

([17]) انظر: Eflâkî, Menâkıbü’l-Ârifîn, I, 411-414.

([18]) انظر: Gölpınarlı, Mevlânâ’dan Sonra Mevlevîlik, s. 115, 302 vs.

([19]) انظر: Gölpınarlı, Yûnus Emre ve Tasavvuf, s. 121–126, 171 vs.

([20]) انظر: Tekindağ, “Büyük Türk Mutasavvıfı Yûnus Emre Hakkında Araştırmalar”, TTK Belleten, XXX, nr. 117 (Ocak 1966), s. 59-90

([21]) انظر: Barkan, “İstilâ Devirlerinin Kolonizatör Türk Dervişleri ve Zaviyeler”, Vakıflar Dergisi, II (Ankara 1942) s. 279-386,

مقالة “Hacı Bektâş-ı Velî ve Bektâşîlik 1” Prof. Dr. M. Es'ad Coşan (Rh.a.)