الشيخ أحمد يسوي هو إنسان نجح في مواصلة الخدمة التي بدأها سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة عظيمة جداً، وبشكل يشهد له التاريخ، إنه ذات عظيمة جداً، في آسيا وفي أوروبا وفي الأناضول... له حقّ كبير علينا، فقد جعل طلبته ينشرون الإسلام في الأناضول، كما أن يونس إمره وحجي بكتاش ومن شابهمهم من اللذين منحونا التربية الصوفية مرتبطون به.
البروفيسور محمود أسعد جوشان (رحمه الله)
لقد اجتمعنا لإحياء ذكرى كبيرٍ لنا عظيمٍ جداً، وذي شأن عظيم، ومحترم جداً، ومبارك جداً، ونحن أولاده، عند التدقيق والتحقيق نحن أولاد طريقه، وربما أولاده من نسله.
نحن بصدد إحياء ذكرى شخصية عظيمة إلى أبعد درجة ليس فقط بالنسبة لبلدنا تركيا التي نعيش فيها الآن، بل بالنسبة لكل العالم، ولجميع الأتراك، ولكامل آسيا والبلقان وأوراسيا والهند.
لقد اجتمعنا من أجل ذكرى ذاتٍ عظيمةٍ، لها علينا حقّ عظيم جداً، ولها تأثير كبير جداً على ثقافتنا.
هذا الشخص المبارك هو قبل كل شيء، كأول وأبرز وصف له مُكمِّلٌ ومرشدٌ كاملٌ كبير جداً، فهو صاحب كمال من جهةٍ، وقام بتربية العديد من أصحاب الكمال من جهة أخرى، هو شخص أوصلَ العديد من الناس إلى الكمال.
أما من جهة تاريخ انتشار الدين الإسلامي فهو اسم بالغ الأهمية في تاريخ انتشار نور الله المبارك الذي بدأ من مكة المكرمة، وامتد إلى المدينة المنورة، وجزيرة العرب، وباتجاه جميع أطراف العالم القريبة والبعيدة، وهو كذلك من جهة الكيف ومن جهة الكمّ أيضاً.
هو شخصية مهمة جدّاً من حيث تاريخ التصوف، وشخصٌ لدينا ارتباط به، فهو من خلفاء سلسلتنا بسبب انتسابه إلى الشيخ يوسف الهمداني من خواجكان، وهناك قسم من خلفائه ذهبوا إلى سيدنا بهاء الدين نقشبند نفسه، ودرسوا عليه، قسم من هؤلاء لازمهُ لمدة أشهر، وقسم منهم لازمه لمدة سنوات، وأخذوا التربية الصوفية منه مباشرة، وهو من هذا الوجه شيخنا.
وهو شخصية بالغة الأهمية من الجهة العسكرية والاجتماعية، قام بتربية أولياء شجعان، ربّى عُمّالاً للحركات العسكرية بالغة الأهمية في تاريخ العالم، كان صاحب مصدرٍ أنتج عمّالاً قيّمين.
من الجهة الأدبية هو واحد من أهم شخصيات الأدب التركي، والأدب التركي الديني.
هو شخص مهم جداً خدم الإسلام، وأثّر في ملايين الناس الذين يعيشون في المناطق التي عاش بها.
حتى إذا نظرنا إلى كل هذه الأمور بالقيم الدنيوية والمقاييس المادية، فالقيم التي عدّدناها مهمّةٌ من حيث كونه عبداً يحبه الله، ومن حيث تواصل كراماته في حياته وبعد وفاته، المهم هو أن يكون المرء عبدَ الله المحبوب، فأعلى مرتبة بالنسبة للجميع هي الفوز بحالِ وصفةِ العبد الذي يحبه الله.
جعَلَ محمد طاهر أفندي البروسوي في بداية كتابه عثمانلي مؤلفلري أربعة مصاريعَ من الشعر، وهذا يبرز اعتقاده، ويفيد حقيقةً، فالشيخ أحمد يسوي ليس مجرد اسم مسجلٍ في التاريخ، إن تأثيره وفائدته لنا تتواصل حتى اليوم، وقد رأيت من المناسب أن أنقل ذلك حيث يقول الشاعر([1]):
اكي جهان ده تصرف اهلي در روح ولي
ديمه كيم بو مرده در، بوندن نيجه درمان اوله!..
البدن تحت التراب، لكن الروح باقية، فروح الولي صاحبة تصرّف في العالمين، هي أهل تصرّف في حال حياته، وبعد وفاته.
لا تقل: "هذا ميّت، قد مات، كيف تكون منه مداواة؟"، لا تتعلق بسلوك منكر هكذا، سلوك إنكاري ومادي!.. لا تفكر هكذا!..
روح شمشير هدى در تن غلاف اولمش اونا *** ضها اعلى كار ادير بر طيغ كيم عريان اولا!..
"الروح سيف لله قاطعٌ، والجلد مثل غِمده، عندما تدخل الروح في الجلد تصبح مثل السيف في غمده..."
وعندما يُجرّد السيف من غمده يقوم بعملٍ أفضل، لا يقطع وهو في غمده، ولكنه بعد أن يجرّد يقطع؛ لأنه في حال حياته هناك آفة الشهرة، وهي مناقضة للتواضع، الأولياء لا يظهرون كمالاتهم وكراماتهم، بل يعترفون بعجزهم، ويقولون: إنهم غير مهمّين، ويتطرقون إلى ذنوبهم، ويرون عيوبهم الصغيرةَ كبيرةً، ويعتبرون محاسنهم الكبيرة غير موجودة، ولبسوا التواضع، لذلك لا أحد يفهم لم يقول أحدهم: "أنا عاجز"، يقول: "أنا مذنب"، يقول: "أنا كثير الخطأ"، يقول: "عبد الله المجرم العاصي الغارق في بحر الذنوب"، يرى نفسه هكذا، ولكنه عبد الله المحبوب.
لأن الامتحان انتهى بعد وفاته فإن التصرفات تبدأ حينها، فتظهر كرامات الولي حينها، تذهبون إلى قبره فتظهر، ويدخل إلى أحلامكم فيُفهم ذلك.
مثال ذلك من أيامنا، هو متعلق بالموضوع من وجهٍ ما، ولكن أريد أذكره؛ لأنه سيفسر المسألة بشكل جميل جداً:
أحد إخواننا المؤلفين الذين هم على قيد الحياة أراد أن يؤلف كتاباً حول حياة أولياء الله الذين يعيشون في تركيا بعد العهد الجمهوري، أعدّ قائمة بالعلماء المعروفين، والفضلاء والمشايخ، وقد خصص بعض الصفحات لشيخنا محمد زاهد أفندي لكي يتحدث عن حياته.
عندما أدرك أحد إخوتنا وهو ضابط صفٍّ هذه الفكرة الجميلةَ قال: "إذا كنت قد نويتَ القيام بهذا العمل فأنا سأكون كاتباً لك، أنت تقول، وأنا أكتب، سآخذ إذني السنوي وأساعدك."
فقال الآخر: "حسنا...".
الشخص الذي قال: "سأساعدك" هو ضابط صف في الطابور الذي توجد فيه قنابل ذات رؤوس نووية، وعندما جاء الوقت الذي سيأخذ فيه إذنه قام القبطان بإلغاء الأذون بسبب حصول عطل في آليّة إطلاق الصواريخ، وهم لا يستطيعون حلّ المشكل، فأحضروا خبيراً، وسألوا الأمريكان، ولم يتمكنوا من العثور على العطل.
قبطان الوحدة صار عصبياً وغاضباً وحزيناً؛ لأنهم لم يتمكنوا من حل المشكلة... فألغى الأذون. هناك وضع غير عادي، الصواريخ لن تعمل، إذا اضطروا إلى الإطلاق فلن يتمكنوا من ذلك، والآلية معطلة...
في تلك الأيام يرى أخونا ضابط الصف رؤيا، في الرؤيا شخصٌ مبارك ونيّرٌ ذو لحية بيضاء وخدين ورديين يقول:
"يا ولدي! العطل الذي في آلية صواريخكم في القسم الفلاني من المكان الفلاني منها؛ هو هنا".
فيذهب هو في اليوم التالي إلى القبطان، ويقول:
"يا قبطاني! إذا وجدت عطل الصاروخ هل تعطيني إذنا؟".
فيقول القبطان: "جِد ذلك العطل، وسأعطيك ضعفي الإذن!".
فيذهب وبمجرد أن يضع يده يفتح المكان الذي رآه في الرؤيا، ويجد العطل ويصلحه.
هذه نقطة مهمة، بعد ذلك عندما ذهب إلى أخينا الكاتب، وعندما رأى صورته فهم أن الشخص الذي جاءه في منامه هو شيخنا محمد زاهد كوتكو، ولم يكن يعرفه من قبل([2]).
هذا مثال لعلاقات أولياء الله عباد الله المحبوبين بعد وفاتهم مع مَن هم على قيد الحياة...
الرؤى يمكن التعليق عليها بأشكال متنوعة، يمكن القول بأنها "انعكاس الأحداث والعواطف التي نفذت إلى لاشعورِ النفس الإنسانية على الشعور أثناء النوم بسبب الراحة التي في الرؤيا".
جيد، جميل، ولكن مهما انعكست فلا يمكن أن تبين عطل الصاروخ!.. لقد بينت عطل الصاروخ، يقول: "العطل هنا"، فيتم إصلاحه.
من هنا ندرك ارتباط عالم الأرواح بعالمنا الذي نعيش فيه، يمكن أن تكون هناك علاقات بين أرواح عباد الله المحبوبين، وبين الناس الذين هنا، نسمي هذا "تصرفات" بمعنى تصويب العديد من الأعمال وفعلها وعملها.
نعم هكذا، إذا كان بالفعل عبداً محبوباً لله فإن له في حال حياته كرامات وأحداثاً خوارق تظهر المئات والآلاف منها بلا تكليف ولا تكلف، وتتواصل بعد وفاته أيضاً.
ضريح الشيخ أحمد يسوي هو أجمل وأعظم وأكثر الروائع الفنية استثناءً في العالم، تلك النقوش، وذلك المدخل، وروعة ذلك الباب، وذلك الترتيب الداخلي...([3]).
أمَرَ تيمور ببناء الضريح، حتى قبر تيمور الذي يُسمى بـغوري مير في سمرقند هكذا، لا يُدرك ذلك من خلال الصور، فعندما تذهبون وتدخلون إلى الضريح ستدركون روعة الفن وجماله، إذا أردتم أن تروا أثراً فنياً في سمرقند فاذهبوا إلى ضريح تيمور!..
أمر تيمور أشهر مهندس في ذلك الزمان ببناء ضريح أحمد يسوي في مدينة يسي.
جاء أحمد يسوي إلى تيمور في منامه، وبشره بنصرٍ، وكشُكرانٍ له ذهب تيمور لزيارة قبره، وأمر المعماريين قائلاً: "أنشئوا ضريحاً لهذا الشخص العظيم!".
كان لتيمور تعاطٍ مع روحانية الشيخ أحمد يسوي قبل ذلك، لذلك أمر ببناء ضريحه.
تيمور إنسان صاحب اعتقاد وحبّ ونشوة تصوّفية وارتباط...
أحمد يسوي هو إنسان نرى أنه عبد محبوب لله من خلال مؤلفاته، ومن خلال الروايات قديماً، ومن خلال كراماته في أيامنا، أصلاً هذه هي أعلى مرتبة.
قالوا: "بير تركستان" و"حضرت تركستان"، هذا صحيح، مهما يقال فهو قليل.
حتى لو مددنا الثريا ذات السبعة قناديل إلى ضريحه فإننا لن نعتبر أننا تمكنّا من القيام بشيء، هو "قطب الأقطاب"، ربّى الكثير من الأولياء والطلبة والخلفاء، هو "سرْوَر مشايخ" و"سلطان الأولياء" و"برهان الأتقياء".
هو شخصية نموذجية لأهل التقوى يُشار إليها بالبنان، هو إنسان عاشت كلماته في حياته، ليس مهذاراً من أهل القيل والقال، بل إنسان من أهل الحال.
هو "فرزند حبيب هدى" (فتى حبيب للهدى)، من أولاد سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، طبعاً هذا أيضاً نور على نور([4])، يصير شرفاً على شرف.
لقد كان سبباً لهداية مئات الآلاف من الناس، وربّى آلاف المرشدين، سَعَى إلى جذب الناس إلى دين الإسلام، واجتهد في ذلك، وحثَّ عليه وربّى عمّالاً، ربّى دراويش وخلفاء ومشايخ، وأبدى استقامة.
وذهب مراراً إلى مواطن الخطر مُبدياً التضحية، ووقف في وجه المخاطر، وسعى إلى إيجاد حلول تزيل الخطر من أصوله.
نحن مدينون له بالشكر، مهما شكرنا، ومهما سعينا لا نستطيع أن نبين ذلك، لا نستطيع أن نفي بحقّه.
كلنا منشغلون في الحياة بمشاغل، ونقوم بعمل ما، طبعاً خلف أعمالنا هناك نيّة، والله يقيّم الأعمال حسب النوايا([5]).
الكل يسعى في أثر العديد من الأعمال بنيّة، وأهم عمل في الحياة هو إيجاد ومعرفة الله تعالى خالقنا، وخالق الحياة، وصاحب الكائنات، والمتصرف فيها، ورازقنا ومن نعيش بنعمه، والتعبد له على الشكل الذي يريده هو.
هذا هو الأساس الأصلي للأمر، فمهنتنا ليست الطب، ولا الهندسة، ولا السياسة، ولا الصناعة، ولا التجارة، بل التعبد لله تعالى. الله يريد هذا: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَ وَالإنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُون([6])، لقد خُلقنا فقط لنعبد الله بشكل جيد، هذا هو أصل مهمّة الحياة ووظيفتها، هذا أصل عملها، لِيَبْلُوَكُمْ أيَّكُمْ أحْسَنُ عَمَلا([7]).
في محيطنا يجري امتحان مفاده "من منا سينجح بشكل أفضل في عمل العبادة هذا؟"، هذه هي حقيقة الحياة.
الله تعالى لا يقبل جميع الأعمال حتى الحسنة منها، أديسون اخترع الكهرباء، وفلان أنشأ جسراً، وقام بالأعمال الفلانية والفلانية... إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ([8])
الله يغفر الذنوب، ولكنه لا يغفر الشرك به أبداً، ولا يغفر للكافر أبداً... الكافر يعني المنكر والملحد.
الملحد هو غير المؤمن، يعني الذي لا يعرف حتى الله، مكانه في أسفل السافلين، ولكن حتى المخطئ في معرفة الله عندما أراد معرفته، والمشرك به، والساعي في الشرك لا يغفر له الله، ولن يغفر له...
على الإنسان أن يعرف الله بشكل صحيح، حتى إذا عاش في قرية لم تصلها الحضارة في وديان الأمازون، فإن عليه معرفة الله بشكل صحيح، هذه هي وظيفته...
وأهم وظيفة للأنبياء هي تعريف الناس بهذه الحقيقة.
يقول سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديث شريف: أفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَهُ وَحْدُهُ لَا شَرِيكَ لَهُ([9]).
هذه أهم كلمة، هو أحد لا شريك له، ولا نظير، ولا مثل، ولا مثال.
ويقول سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: أمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لَا إِلَهَ إلَّا الله([10]).
"هذه وظيفة نبوتي... سأحمل الناس إلى دين الحق، وسأسعى إلى مسح العقائد الباطلة من رؤوس الناس، سأزيل الشرك!".
ذهب نبيُّنا صلى الله عليه وسلم من أجل هذه الوظيفة إلى الطائف، فلم يفهمه أهل الطائف، ورموه بالحجارة، وجرحوه، وأسالُوا دمَه.
وعندما يأتي العرب من شبه الجزيرة العربية إلى الأسواق المختلفة بمكة بلّغهم الإسلام، وأوامر الله، لقد بدأ من عشيرته والأقربين، بعد ذلك كان يذهب إلى كل مجموعة من القبائل والناس الوافدين من الجوار، ويتعرف عليهم قائلاً: "من انتم؟ ومن أين أتيتم؟"، ثم يبلغهم الإسلام.
ومن ثمار ذلك أنه بيَّنَ الإسلام في العقبة للناس الوافدين من المدينة، فجعلهم يؤمنون بالإسلام ليتّخذ التاريخ الإسلامي تطوّراً نحو وجهة أخرى.
وعندما ذهب إلى المدينة ذهب إلى رئيس المنافقين، وإلى معبد اليهود، وناظَر قافلة الرهبان القادمة من نجران، وتحدث معهم، وسعى إلى توجيه أفكارهم إلى الإسلام، وقد كان بضع وسبعون من الناس جاؤوا من نجران مع أصنامهم وصلبانهم.
لقد ذهب إلى معبد اليهود، وبلّغهم الإسلامَ قائلاً: "إنني أنا النبي الذي أخبر بقدومه موسى في التوراة يا ملّة اليهود!.."
فآمن بعضهم مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه، ولم يقبل بعضهم.
كما آمن بعضٌ من هيئة الرهبان القادمة من نجران، وبقي بعضهم على النصرانية قائلين: "فلنُعطِ الجزية، ولنبقَ على ديننا حتى لا تضيع الأموال التي أرسلها البيزنطيون إلى كنيسة اليمن".
لقد بلّغ سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم الإسلامَ في كل مكان، وسعى إلى بيانه لجميع المجتمعات حيث أرسل رسُلاً سياسيين للدول المجاورة، وكتب لهم كتباً، وقد نُشرت الوثائق السياسية([11]) إلى هرقل الإمبراطور البيزنطي، وإلى الإمبراطور الساساني، وإلى المقوقس حاكم مصر، وإلى أمير البحرين، وإلى السريانيين، وإلى الحبشة، وإلى غيرها...
هناك اليوم كنيسة للسريانيين في الجنوب الشرقي للأناضول، وأنا أعرف قولًا لأحد رهبانهم؛ هناك مكتوبٌ في كنائسهم أرسله سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم لأجدادهم، لكنيستهم أنْ: "ادخلوا الإسلام"، لقد أرسل رسالةً إلى هناك أيضاً، فاحتفظوا بها، كنيسةٌ سريانية في الجنوب الشرقي للأناضول تحتفظ برسالة لسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم.
كل هذا يبين الهدف الأساسي لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبيّن الخدمة الأساسية التي يريدها الله من عباده، وقد فهم الصحابة الكرام هذا المعنى، فتُوفي أغلبهم بعيداً عن ديارهم الأصلية، وشاهد ذلك مدار افتخارنا قبورُ خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاري، وبضع وعشرين صحابياً الذين في إسطنبول.
قُثَم بن عباس الذي يقال بأنه مدفون في سمرقند هو ولد العباس عمّ سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، سقط شهيداً في سمرقند([12])، له ضريح نفيس جداً... يوجد الكثير من الأضرحة هناك، مجتمع أضرحة... ضريح قثم مزيّن بالقاشاني؛ قدّر الله لنا فزُرناه.
لقد التقى الإسلام مع إيران دون اعتراف بالحدود التي أمامه وبتجاوزها، فصارت إيران مسلمة، ثم تجاوز إيران، وجاء إلى خراسان، ووصل من خراسان إلى ما وراء النهر، إلى الطرف الآخر من نهر جيحون، ونهرا سيحون وجيحون يصبّان في بحيرة أرال من الجنوب الشرقي باتجاه الشمال الغربي، ما بينهما مركز مهم بالنسبة لنا، ومن بعد نهر سيحون باتجاه بحيرة بَيقال تمتد مناطق واسعة هي تركستان الشرقية، وقد وصلوا إلى هناك.
لقد أنشأ العسكر الإسلامي معسكرات هناك، مثلاً كانت نيسابور واحدة من أهم المعسكرات التي أنشأها العرب، وقد استقر هناك الكثير من العلماء ذوي الأصول العربية، فتزوج بعض أحفادهم من الأهالي المحليّين، وبقي بعضهم مع نسله، ونشأ علماء كبيرون جداً حيث إن هناك الكثير من الناس ذوي الأصول العربية المعلومة شجرة نسلهم في خراسان وما وراء النهر وخوارزم، وما يعرف اليوم بأفغانستان.
هناك بُنيّة مسلمة من أخواتنا الممرضات المتدينات تعمل ممرّضة في مستشفى أحضرت لي شجرة، وقالت: "شيخي، ما المكتوب هنا؟"، فقرأت، بُنيّة شجرتُها من سلالة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم... جاءت من تركستان. ليست بيضاء، فيها شيء من السمرة...
قلت: "يا بُنيتي أنت من سلالة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم! أجدادك علماء كبار، انظري هذا مكتوب هنا". هناك الكثير من هؤلاء...
الحمد لله، نحن أيضاً جدّتنا في العائلة هكذا، فقد جئنا نحن أيضاً إلى هذه الديار من بخارى في قافلتنا خلائق عربية.
"لماذا أذكر هذا؟"
انهمر المسلمون باتجاه تلك الجهة؛ تقدموا إلى شمال إفريقيا من جهة، وإلى القوقاز من جهة أخرى، ومن جهة أخرى أرغموا الأناضول، فقد كان دخول الأناضول في الإسلام صعباً جداً، تعنَّت الأناضول كثيراً في وجه الإسلام.
القره خيطاييّون يقومون بالضغط من هناك، فيأذن الله بفتح الأناضول من هذه الجهة، فيأتي المهاجرون المارّون من هناك إلى الأناضول، الدولة السلجوقية ومن بعدها فتح إسطنبول وفتح البلقان، ينشرون الإسلام باتجاه الأمام، ثم يصبح أولئك أيضاً مسلمين.
سعى سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى نشر الإسلام، والأصحاب الكرام أيضاً سعَوا إلى نشر الإسلام، قاموا بترك الديار والأولاد والأوطان والراحة، وذهبوا لنشر الإسلام، ثم واصل أولادهم والعلماء العاملون نفس الوظيفة.
قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم كما روى عليّ رضي الله عنه: العُلَمَاءُ مَصَابِيحُ الأَرْضِ، وَخُلَفَاءُ الأَنْبِياءِ، وَوَرَثَتِي وَوَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ([13]).
"العلماء أضواء الأرض ومصابيحها، هم خلفاء الأنبياء، هم الخلفاء الأصليون، هم ورثتي وورثة الأنبياء القدامى".
العُلَمَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ عَلَى عِبَادِ اللهِ([14])
العُلَمَاءُ أُمَنَاءُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ([15])
وفي حديث شريف آخر يمدح العلماء قائلاً: العُلَمَاءُ قَادَةٌ، وَالمُتَقّوُنَ سَادَةٌ، وَمُجَالَسَتُهُمْ زِيَادَةٌ([16])
يُمتدح العلماء بأنهم قادة وزعماء ورواد، والعباد المتقون أسياد، وأشخاص جليلون، معيّتهُم وملازمتهم ومجالستهم سبب لزيادة العلم والفيض والثواب.
لذلك فإن صفات العلماء: سلطانٌ، ملك، وباشا... مثلاً يُقال: "مصلح باشا، عاشق باشا"، يُقال: "هداونديكار"، يُقال: "سلطان الأولياء". هذا بسبب ذلك.
طبعاً العلماء أدركوا وظيفة الأنبياء؛ لأنهم وارثوهم، وساروا في ذلك الطريق؛ لأن لسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث شريفة: لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيِّهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ.
"أن يقدّر الله لأحدٍ الهداية على يديك (أنت سعيت وأرشدت وأيقظت، فصار هو مسلماً، ورجع إلى طريق الحق، ونال الهداية)، وأن يرجع أحدٌ إلى طريق الحق بواسطتك خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت"([17])؛ لأنك تفوز بمثل حسنات الشخص الذي هديته دون أن ينقص من حسناته شيء.
العلماء أدركوا هذا، لذلك لا يمكن الاقتراب من مقامات هذه الذوات العظيمة، ولا إدراكها، فقد أرشدوا الملايين، وكانوا سبباً في اهتدائهم وإسلامهم، لذلك يُكتب في دفاترهم مثل جميع أعمال وحسنات أولئك.
من الذي يمكنه مطاولة الشيخ أحمد يسوي أو الإمام الغزالي؟.. ذوات عظيمة، وأشخاص مدهشون، ومعظمون ومهيبون...
كان الشيخ علي يعقوب (جعل الله مثواه الجنة، رحمه، وجعل قبره نوراً) ألبانيا، كان إنساناً جيّداً جداً، يسمي الأعوج أعوج، والصوابَ صواباً.
كان يقول: "رضي الله عن هؤلاء العثمانيين... لو لم يأتوا إلى البلقان ويبلغوا الإسلام ربما لكنّا نحن الألبان سنعيش اليوم كمسيحيين"، كان يعبر عن شكره للعثمانيين هكذا.
والعلماء نوعان:
1-علماء بالقول والكلام والعنوان.
2-علماء بلسان الحال لهم صفات يحبها الله.
الأصل و المهم هو النوع الثاني، وأولئك هم الأعلام المرشدون، وأبطال التصوف والأولياء الشجعان.
منهم من حارب، ومنهم من تعبّد، ومنهم من درّس بالمدرسة، ولكنهم عملوا من أجل الإسلام.
للبروفيسور المشهور عمر لطفي بارقان مقالةٌ: الدراويش المستعمرون الأتراك... هؤلاء يذهبون بمفردهم، ويقيمون كوخاً في مكانٍ ما على قارعة الطريق... الأماكن التي يحتاج فيها الناس للمساعدة والاستراحة... يغرسون الأشجار ويجلبون الماء وينشئون مكاناً؛ ينشئون تكية، ويستضيفون الوافدين، فيتسع ذلك المكان، ويصبح بعد ذلك مدينة كبيرة.
البروفيسور السيد عمر لطفي يشرح كيف حصلت الأسلمة في البلقان، هكذا بفعاليات الدراويش، وكيف ازدهرت.
وحتى اليوم فإن انتشار الإسلام في أمريكا وأوروبا والبقاع غير الإسلامية هو أيضاً بواسطة دراويش خالصين مخلصين.
أنا أبين هذا من هذا الباب: الشيخ أحمد يسوي شخصٌ أدرك هذا المعنى، ونذر حياته لهذا المعنى، بهذا الاعتبار ذكرتُ هذه المقدمة حتى يُفهَم موقع الشيخ أحمد يسوي.
الشيخ أحمد يسوي هو إنسان نجح في مواصلة الخدمة التي بدأها سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة عظيمة جداً، وبشكل يشهد له التاريخ، إنه ذات عظيمة جداً، في آسيا وفي أوروبا وفي الأناضول... له حقّ كبير علينا، فقد جعل طلبته ينشرون الإسلام في الأناضول، كما أن يونس إمره وحجي بكتاش ومن شابهمهم من اللذين منحونا التربية الصوفية مرتبطون به.
على شعبنا أن يعرف الشيخ أحمد يسوي معرفة جيّدة جداً!.. لأن لدينا دينُ شكرٍ؛ لأنه أهمّ أسماء ثقافتنا.. وكبرائنا وأجدادنا ربما... طبعاً هناك شيئاً فشيئاً فهمٌ لأصله، وعودةٌ إلى الأصالة...
لقد حصل شيءٌ من الصحوة أكثر عند فهم حكاية التغريب جيداً، وعند معرفة هؤلاء الغربيين بشكل جيد، وقد مكّنَ انهيار الاتحاد السوفياتي من ذهابنا إلى تلك البقاع.
في اليوم الذي ذهبنا فيه إلى أذربيجان أعلنت أذربيجان استقلالها، وفي اليوم الذي مررنا فيه إلى طشقند أعلنت أوزبكستان استقلالها، حتى وإن كان صورياً فهو بداية...
أصبحت هناك حرية في تلك المناطق، انهار الستار الحديدي، ووُلدت إمكانات الزيارة، وبدأنا برؤية تلك البقاع، رأينا الظلم، ورأينا إخواننا الذين تعرضوا للظلم، تعانقنا وبكينا، وذرفنا الدموع وبللنا لِحانا بها... لقد حصل تجديد.
بسبب العودة إلى الأصالة أعلنّا سنة من سنواتنا الماضية "سنة يونس إمره" بقرارٍ من اليونسكو؛ جميل...
وخصصنا سنة 1993 لذكرى الشيخ أحمد يسوي في تركيا؛ هذا أيضا جميل...
ولكن هذا غير كافٍ...
تصوير الكلمات لا يكفي، سنرى ضريح الشيخ أحمد يسوي، وسنرى المحيط الذي عاش فيه، وسنرى المدينة التي وُلد بها، سنفهم حاله وحياته، وستُقام خدماتٌ إن شاء الله، سنة واحدة لا تكفي، ربما يجب تخصيص عشرات السنين لذكراه!..
تقول المصادر: "الشيخ أحمد يسوي، نحن الأتراك والمسلمين وحتى الأكراد الذين في الأناضول..."؛ قرأت في الكتب أن الأشخاص الذين يُعرف بأن أصولهم كردية في أطراف [ولاية] طونجلي يعتبرون أنفسهم أبناءً للشيخ أحمد يسوي، هذه أيضاً نقطة مهمة، نحن نعرفُ منذ القديم، فمنقبة أحمد يسوي موجودة في كتاب ولاية نامة لوليّنا حجي بكتاش، وفي كتابه مناقب نامه... وفي كتاب سياحة نامه للمشهور أوليا جلبي، وعندما يقال دراويش خراسان تتوقف المياه السائلة، نعرف ذلك من عاشق باشا، نعرفُ من أرسلَ الأولياء الشجعانَ، والغزاة الروم، لدينا معلومات عن أحمد يسوي...
طبعاً عندما نريد إشباع فضولنا حول صحة هذه المعلومات، ولو كنا سنقول: "أين يمكن أن نجد هذه المعلومات؟" فإننا سنجد أنفسنا أمام العديد من النقائص مثلما هو الحال مع جميع معلوماتنا التاريخية القديمة. هناك العديد من المصادر، ولكنها لا تعطينا معلومات تشفي الصدر كما ينبغي بالمعنى الكامل.
أول المعلومات المتعلقة بسيدنا أحمد يسوي هي الحكم التي كتبها بنفسه، وصدرت من فمه، وبيّنها هو بنفسه... فهو يسمي أشعاره "حكمة"، ونحن نسمي الشعر الديني في الأدب الشعبي بـ"الإلهي".
ويسمون الأشعار المتعلقة بالطريقة البكتاشية بـ"النَّفَس" كما يقال مثلاً "معاني" للرباعيات التي تحمل معنى فلسفياً عميقاً، ومعاني تعني: "الكلمة التي تحمل معنى"... وأطلق القاضي برهان الدين "طوغ" على معنى الرباعية التي تعبّر عن شعورٍ.
أما الحكمة فمعناها: "الكلمة الموافقة للعقل والمنطق والدين والعلم والعرفان".
سيدنا أحمد يسوي ليس شاعراً، فصفة الشاعر تُصغر من بعض الناس، فحتى في حق سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، يرد في القرآن الكريم في سورة يس: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ([18]).
وقد أعطى الله لسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم قابلية قول الحديث الشريف الذي هو منبع الحكمة ومتمّم القرآن: أُوتِيْتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ([19])
الأحاديث الشريفة المجملة المنتظمة، وسنّته السّنية... هذه أعطيت لسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، وهي حكمة مختلفة عن القرآن الكريم، لذلك فإن كلمة الحكمة تُذكر في أدبياتنا الدينية.
وفي القرآن الكريم أيضاً: وَمَنْ يُؤتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ اوُتِيَ خَيْرَاً كَثِيراً([20])
"ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً". الحكمة عطاء عظيم، هي إكرام كبير من الله...
لذلك قال الشيخ أحمد يسوي حِكَمًا، حكيمنا قال كلمات عميقة المعنى تُفيد حقائق موافقة للعقل والمنطق، والعلم والعرفان، لذلك فاسمُها هو "حكمة"...
جُمِعت هذه الحكم ووُضعت في شكل كتاب اسمه ديوان حكمت، وقد طُبع عدة مرات، وعند مطالعة مخطوطات ومطبوعات ديوان الحكمة يتّضح أنها مختلفة جداً عن بعضها البعض؛ لأن سيدنا أحمد يسوي المبارك ذكر الحِكمَ في مقامها وقالها فدُوِّنت، وجُمعت بعد ذلك، فهناك مجموعات مختلفة... تداولتها الأيدي بل وحُفظِتْ عن غيب. قرأها المريدون في اجتماعاتهم... ووصلت عن طريق العنعنة بقولهم: "سيدنا قال هكذا، ذكر هذه الحكمة"، ولكن مع كثرة استخدامها في التكايا أُضيفت إليها أشعار من نفس الهوى، ونفس المعنى لأشخاصٍ آخرين.
هذا الأمر يحصل كثيراً في أدبنا التركي، مثلاً نحن أحببنا مولدَ الشيخ سليمان جلبي كثيراً، ولكن أثناء قراءة المولِد ينزل المولدخان من الكرسي فيُنشد الحافظ أثناء ذلك إلهيّاً (نشيداً) آخر. عندما نقول إلهيّاً آخر فإنكم عند النظر في صفحات المولد ترون منظومات أخرى في الوسط من غير وسيلة النجاة لسليمان جلبي، فيكون المولد مجموعةً أدبية أو مختاراتٍ أو مقتطفات أدبية، مثلاً أُثبِت أن قسم "مرحبا" يعود لشاعر آخر.
نفس الشيء موجود في ديوان يونس إمره... تنظرون في مخطوطات مختلفةٍ فتجدون في هذه 135 إلهياً، وفي الأخرى 240، وفي تلك هذا العدد... مختلفة عن بعضها... طبعاً الرجل الذي كتب هذه الإلهيات (الأناشيد) يكون قد أدخل إلهياتٍ لآخرين؛ لأنه كتبها هنا من منطلق أنه إلهيُّ الشخص المبارك الفلاني.
وديوان الحكمة أيضاً كذلك.
في ديوان الحكمة هناك معلومات متعلقة بحياة الشيخ أحمد يسوي بشكل مباشر، وبأفكاره الصوفية، وبعديد من الأحداث المهمة في حياته، لذلك فإن أوّل المصادر المهمة حول حياته هو ديوان حكمته.
ثم هناك العديد من المصادر التي استعملها متخصصون لا نعرفهم بشكل جيد...
هناك أثرٌ لعلي شير نوائي اسمُه نسايم المحبة من سمايم الفتوة، وقد نشره البروفيسور كمال أرسلان (1979)، في هذا الأثر هناك معلومات متعلقة باليسويين... وهو في الأصل ترجمة لكتاب اسمُه نفحات الأنس لِمُلا جامي، ولكن علي شير نوائي أضاف أحمد يسوي.
هناك معلومات في رشحات عين الحياة لعلي الهروي، وقد تُرجم هذا الأثر إلى العثمانية.
وهناك معلومات صغيرة أيضاً في المؤلفات التي درسها متخصصون مثل كتاب بكركان([21]) لسليمان حكيم أتا، ومهمان نامه بخارى، ورسالة تواريخ بلغارية...
وهناك معلومات في الأثر المشهور المسمّى تبيان وسائل الحقائق لحريري زاده كمال الدين أفندي([22]).
وهناك في سياحت نامه لأوليا جلبي معلومات متعلقة بدراويش يسوي حيث يقول: "أنا من بين أحفاد الشيخ أحمد يسوي".
إن مناقب نامه للشيخ الولي حجي بكتاش قديمة، تعود للقرن 15، وفيها معلومات غير موثوقة عن أحمد يسوي... حتى إن فيها إعلاماً بأن للشيخ أحمد يسوي مناقب نامة.
هناك معلومات في كنه الأخبار للمؤرخ علي ...
ومن أهم المؤلفات التي تتعلق باليسوية التي يشكلها الشيخ يسوي ومريدوه وأتباعه أثرٌ مخطوط اسمه جواهر الأبرار من أمواج البحار، وهذا الأثر هو نسخةٌ وحيدة من 327 صفحة محفوظ في قسم المخطوطات التركية بمكتبة جامعة إسطنبول تحت رقم 3893، 120 صفحة منه مكتوبة بالفارسية، وهو كتاب كبير يحتوي على معلومات مهمة حول الطريقة اليسوية، وقد ألفه درويش يسوي.
كان من الأفضل لو أنه طُبع سنة 1993 بمناسبة "سنة اليسوي"، وسينشر في وقت قريب إن شاء الله([23]).
هذه مصادر تاريخية، وأهم أثرٍ يمكن أن نستفيد منه ونعتبره ترجمةً اليوم لأحمد يسوي هو الكتاب المسمّى المتصوفون الأوائل في الأدب التركي الذي ألّفه البروفيسور فؤاد كوبرلي في شبابه، وقد نُشر للمرة الأولى سنة 1919 بالحروف القديمة، وتأليف كوبرلي لكتابٍ كهذا بمقاييس ذلك الزمن يبيّن أنّه داهية، إنه عمل كبير وجميل جداً.
يتعلّق القسم الأول من الكتاب بالشيخ أحمد يسوي، ويتعلق القسم الثاني بيونس إمره، إنه بمثابة مكتبة.
هل ستطالعون الهوامش أم المتن الأصلي؟!. لقد جمع كل ما وجده بهمّة وحبّ وشوق، مدفوعاً بطاقة سنوات الشباب.
كنا قد ذهبنا لزيارته في بيته، لقد كان رجلاً ضئيل الجسم، ولكن الله أعطاه مواهبَ، أنا أصلاً إنسان صغير الحجم؛ وبالرغم من ذلك كنتُ أنظر إليه من الأعلى.
إنه أثرٌ عظيم، المصادر والمعلومات التي بداخله كُرِّرت في موسوعة الإسلام، وهو تقريبًا مصدرُ جميع موادِّ الموسوعات مثل موسوعة الأولياء، وموسوعة اللغة والأدب التركي، وموسوعة الديانة للإسلام.
ثمّ كُرّر في مؤلّفات الذين قاموا بأعمالٍ حول أحمد يسوي بعد ذلك، أما مادّة أحمد يسوي التي في موسوعة الإسلام فهي لفؤاد كوبرلي.
لقد قال آراءً صائبة إلى حدّ كبير، طبعاً هناك بعض النقاط التي أخطأ فيها، ولكنه ظلَّ محافظاً على هوية كونِه أثراً مهمّاً جدّاً، طُبع مرّات عديدة أوّلها بالحروف القديمة، وعند نقله من الحروف القديمة إلى الحديثة دخلت معلومات المترجمين أو أخطاؤهم إلى داخل العمل، فطبعته القديمة أكثر قيمة من جهة انعدام أخطاء القراءة.
هناك مؤلَّفٌ آخر حول هذا الموضوع يمكنني أن أوصي به لمكتباتكم هو نشر الدكتور حياتي بيجه لـديوان حكمة الشيخ أحمد يسوي، وهو من منشورات وقف الديانة، وجماله في أنّ الحِكم كُتِبت بتركيّة آسيا الوسطى في المتن، وبالتركية التي نفهمها بجانب المتن مباشرة، هناك إمكانية للقيام بمقابلته، وهو من هذه الجهة عملٌ جميلٌ، وجدير بالتعريف بوصفه طبعة مهمّة.
قام البروفيسور كمال أرسلان بدراسةٍ حول أحمد يسوي، وصدر له مؤلَّفٌ باسم مختارات من ديوان الحكمة من منشورات وزارة الثقافة، وبما أنه مختصٌّ في هذا العمل بوصفه لغويّاً فإنّ قراءة هذه الطبعة أكثر إصابة، وهو أكثر معرفة بالكلمات، فيها (الطبعة) ملاحظات ونحوها؛ هي أكثر قيمة.
لقد قمنا سنة 1993 قبل الجميع بتنظيم مؤتمر بصفتنا وقف العلم والثقافة والفن، ونُشر قسمٌ من مداخلات المؤتمر في عدد "أحمد يسوي والتصوف في آسيا الوسطى" من مجلتنا العلم والفن([24])، وبذلك نكون قد تناولنا هذا الموضوع قبل المصادر الرسمية.
هناك مؤلَّفٌ للبروفيسور جمال أنادول اسمه الشمس التي أنارت الأناضول شيخ تركستان أحمد يسوي واليسوية، وهو مثل مجموعة اقتباسات أُخذت من مصادر مختلفة، ليس بداخله تحليل ولا تعليق، فهو بسيط بهذا الاعتبار.
المكان الذي وُلد فيه الشيخ أحمد يسوي يقع خارج أوزبكستان جنوبَ كازاخستان اليوم، وهو مكان يُسمّى صيرم يبعد سبعة كيلومترات عن مدينة جيمكنت في القسم الذي يُعتبر تركستان الشرقية، ويقال: إن صيرم كلمة تركية حيث يقولون: "صيلملشمق" لنقص الماء وانخفاض منسوبه، وبالفارسية: "إسفجاب" أو "إسبجاب".
يقول زكي وليدي طوغان بأن "إسفيج تعني أبيض"، وفي الأصل أبيض في الفارسية "سفيد" أو "إسفيد"، ولكن انتهاءها بالجيم يعني أنها أصبحت لهجة، وإسفجاب يعني "الماء الأبيض"، فهو يعرف بهذا الاسم أيضاً.
تاريخ ميلاده ليس معلوماً، ولكن زمنه معلوم على التقريب، والأشياء التي كُتبت في هذه المصادر حول تاريخ مولده تستندُ إلى التخمينات، وإلى دراسة المعلومات التي بين أيدينا وبحثها، ومن الطبيعي أن يكون العمل خاطئاً عندما لا تتم دراسة بعض المعلومات، فهناك بعض المعلومات في ديوان الحكمة تجب دراستها!..
وإذا كان لا بد من الحديث عن الأمر من خلال المعلومات التي يمكن أن نجدها في الموسوعات فإننا سنجد في ديوان الحكمة أنه انتسب إلى الشيخ يوسف الهمداني في عمر السابعة والعشرين، حيث يذكر انتسابه للشيخ يوسف الهمداني في حكمةٍ من أشعاره تُدوّنُ ما يقوم به في كلّ سنة، ويوسف الهمداني شخص عظيم جداً هو حنفي المذهب، وقد أخذ عن الشيخ أبي علي الفارمدي، هو شخصية مهمّة جداً.
ينتسب يوسف الهمداني إلى مدينة همدان، قضى حياته بالفقه والعلم وقراءة القرآن، ولم يهدر وقته أبداً، كان يقرأ سورة البقرة خلال مسيره من مكان إلى مكان آخر يبعد مسافة سبعمائة خطوة، كان إنساناً قارئاً للقرآن حتى خلال مسيره في الطريق، طويل القامة وأشقر وصاحب وجه أزهر، صاحب همّة عالية، وكثير السعي إلى إدخال الناس في الإسلام... من المذهب الحنفي...
يُروى أنه قدم إلى بغداد وأخذ دروسا في الفقه الحنفي عن أبي إسحاق، وله معلومات في الحديث... مرتبط جدّاً بأهل السنة... كان يذهب إلى بيوت عبدة النار في إيران، ويدعوهم إلى الإسلام، كان سخيًّا جدّا معروفا بكرمه.
لقد قدم يوسف الهمداني إلى بخارى مدّةً، وأقام بها وقدّم خدمات، ثم ذهب إلى هراة وأقام بها، ثمّ دُعِي إلى بخارى مرة أخرى، وخلال ذهابه من هراة إلى بخارى تُوفّي في الطريق في موضع قريب من مرو، وحسب روايةٍ يُقال: إن قبره نُقل إلى مرو.
إن انتساب أحمد يسوي إلى يوسف الهمداني مهمّ جداً حيث ذهب في صغره إلى مدينة يسي، واستفاد من مرشدٍ اسمه أصلان باب، ويسي مدينةٌ أبعد من صيرم بـ157 كيلومتراً، وُلد في صيرم، وتلقَّى أول علومه من أبيه الشيخ إبراهيم، وكون أبيه شيخاً ومن سلالة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الوقت أمران مهمان، وشجرة نسبه مذكورة في المصادر.
مثلما أن الشيخ أحمد يسوي باعتبار الممارسة سلكَ بحاله وأفعاله طريق سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم والطريق الذي يحبُّه من خلال مواصلته لوظيفته صلى الله عليه وسلم، وللخدمة التي أمر بها، فإنه باعتبار النسل أحد أبناء سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إن الكتب التي تعرض حياة بعض أحفاده من بعده تُبيِّن من خلال ذكر الشجرة المواضع التي وصل إليها نسبه.
لقد أخذ الفيض من يوسف الهمداني، ثمّ ارتفع ليكون من بين خلفائه، ويوسف الهمداني شخص عظيم جداً... قام بتربية العديد من الخلفاء، ومن الثابت بالمصادر التاريخية أن الشيخ أحمد يسوي بوصفه ثالث الذين خلفوا يوسف الهمداني من بعده تربع على طريق الخواجكانية منصب مشيخة الطريقة التي امتدت من يوسف الهمداني وعبد الخالق الغجدواني وصولاً إلى بهاء الدين نقشبند.
هنا أريد أن أقدم توضيحاً حول كلمة "خواجه"، فخواجه ليست بمعنى "خوجا" (أستاذ) كما نفهمها؛ ليست بمعنى "أنا خوجا (أستاذ) في جامعٍ، أو أنا خوجا (أستاذ) في الجامعة الفلانية"، فمن حيث الكتابة تكتب بالواو مثل "خواجه" لكن الميم لا تُقرأ، فهي تُبيّن التلفظ المميّز لحرف الخاء.
خواجه: اسم يُطلق على النبلاء، وخاصة من هم من سلالة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، يُطلق على الوزراء، وكبار الأشخاص، ولكنه لا يُطلق على الناس العاديين، فكما أن كلمة "هداونديكار" أو "هنكار" تُستعمل في الأناضول ـ مثلاً يُقالُ لمولانا "ملا هداونديكار" و"ملا هنكار"، ولحجي بكتاش الولي "هنكار" ـ فكذلك خواجه هي عنوان مثلها.
اسمُه أحمد، ويُقال له يسوي اسم نسبة، هي كلمة تبيّن المكان الذي ينتسب إليه إنسان ما، ونشأ فيه وترعرع، واسم النسبةِ صفةٌ حيث يرتبط بالاسم في صورة إضافة صفةٍ، هي إضافة صفة فارسية، لذلك فتلفظه الصحيح هو أحمدي يسوي، هكذا في الفارسية، وإذا أردنا تلفظه بالتركية فعلينا أن نقول: "يسيلي أحمد"، "أحمد من مدينة يسي". فيسوي تعني أنه منسوب إلى مدينة يسي.
تقع بخارى في الجنوب أكثر، فهي أكثر أمناً، وهي مركز ثقافي أكبر، ولكن عودته من بخارى إلى الشمال الشرقي مهمٌّ، هناك حملة باتجاه تلك الجهة من أجل مواجهة منبع الكفر، وقطع الطريق عليه، وبيان الإسلام لغير المسلمين... قام بمهمّة في يسي، وقدم خدمات بها.
كما قسّم وقته إلى ثلاثة أقسام:
1- كان ينشغل بالطلبة ويدرّسهم العلوم الدينية
2- وكان يتعبد في قسمٍ من وقته
3- وكان يشتغل بالفعل من أجل أن يكسب عيشه بعرق جبينه.
وحتى في الطريقة النقشية، وفي جميع طُرق التصوّف يعتبر هذا الأمر مهماً جداً، فبما أن الأساس الأصلي لكل شيء هو أكل اللقمة الحلال فإن العيش بعرق الجبين والأكل من كدّ اليد وعدم الاتكال على أي أحد من الناس بل إطعام الآخرين من كسب اليد أمور أساسية.
يونس يعبر عن ذلك بشكل جميل جداً:
دوروش قزان يه-يه در بير كنول اله كتور([25])
(اجتهدْ واكسبْ وكُلْ وأطعمْ واكسبْ قلبًا)
دوروشمق تعني بذل الجهد، اعملْ واكسبْ، كُل من الحلال وأكرم الآخرين، أطعمهم! اكسبْ قلبًا، احصُل على دُعاء خيرٍ من أحدهم! اجعلهم يقولون "رضي الله عنك"!..
كان الشيخ إبراهيم بن أدهم يعمل في النهار، ويحصل على يوميته، يأخذ من السوق الطعام والشراب في زنبيله، فيأخذ ما كسبه في شكل طعامٍ للدراويش الذين في التكية، ويطعمهم، يكسب ويشتري بعض الأشياء بما كسبه، ويكرم به الآخرين.
كسب الحلال مهم جداً، لذلك فإن كل واحد من أرباب التصوف كانت له مهنة، ولذلك تداخلَ التصوّف مع تشكُّل المِهن، ومن ذلك أن أخي أوران يُعرف بأنه شيخ تشكيلات الحرفيّين، ومجموعات المهنيّين.
الرجل درويش وشيخ وعالم كبير، ولكن له باباً لكسب الحلال يأكل منه، يكسب ويُكرم الآخرين بما كسبه، ولذلك فإن منهم من كان عطاراً؛ العطار هو "بائع العلاج والدواء والأعشاب والعطور وغيرها". فريد الدين العطار...
خير الدين النساج... النساج "الحائك"، أبو بكر الوراق... الحداد...
سيد أمير كلال هو شيخ سيدنا بهاء الدين نقشبند، وكلال يعني "الخزاف"، حتى إن كان له دخلٌ آخر فإنه يصنع الخزف ويبيعه ليكسب من الحلال.
كان الشيخ أحمد يسوي صانع ملاعق، يصنع المغارف من الخشب... ولم يكن يذهب بنفسه ليبيعها، يُروى أنه كان له ثور، كان يضع ما صنعه في جراب الثور ويُرسله... ويتجول الحيوان في السوق فيأخذ من يريدون ملاعق أو مغارف حاجتهم، ويضعون النقود في الجراب.
كان لا يتنزل حتى للتجارة، يدفع كلّ أحد ما يطيب له، ويضعه في الجراب، ثم يعيش بذلك، أكل اللقمة الحلال وعدم التواكل على أحد، بل بالعكس إفادة الآخرين...
لم يكن له تطلُّعٌ للدنيا، ولا لمتاعها، هذه هي ميزاتهم الأساسية، لا يدخلون على السلاطين، يريد السلاطين زيارتهم فلا يقبلون.
أرسل السلطان سنجر ليوسف الهمداني ستين ألف قطعة ذهبية قائلاً: "أنفقوها على الدراويش"... ثم قال: "اكتبوا لنا مناقب هذا الشخص العامل المرتبط بالشريعة وبالسنة".
فقالوا: "هل نكتب له يا سيدي؟ السلطان يريد ذلك".
قال: "ليس لدي ما يُكتب سوى تقصيري!".
وعندما أصروا عليه قال: "اكتبوا ما ترون".
طبعاً إذا جاءت الأموال فستُوزّع على الفقراء، وتُراعى حاجات المُعدمين، ويُطعمُ اليتامى، أما هم فيتجولون بثيابهم المخرقة، ويصومون ويبقون جائعين.
قام الشيخ أحمد يسوي بشيء مهم جداً؛ في سن الثالثة والستين أمر بالحفر تحت الأرض، وأنشأ دار عبادة هناك تشبه القبر يُنزلُ إليها بدرجٍ، وقضّى بقية عمره هناك.
يقولون بأن تاريخ وفاته هو 1166؛ لا وجود لتاريخ كهذا... في حين أنّ من بين حِكمِه حِكمة تبيّن أن عمره 125... يمكن ذلك، فهؤلاء المباركون يعيشون طويلاً، عندما تنظرون في حياة السلاطين تجدون أنهم يموتون في عمر 42 و 47 و49... تمعّنوا في حياة السلاطين العثمانيين بشكل إحصائي؛ ذلك القدر من العزة والإكرام والاعتبار والعسل والقشطة... ولكنهم يموتون شباباً.
العلماء يعيشون كثيراً، يعيشون كثيراً؛ لأن الإسلام هو وصفة الصحة البدنية والصحة الروحية للإنسان، أنا أصدّق أنه عاش 125 سنة، وكما أن كلمة بير تركستان (شيخ تركستان) تعني (شيخ الطريقة) فإني أراها تدل أيضاً على شخص مبارك بلغ 125 من عمره وقد تقوص ظهره، يمكن أن يكون عاش هذا القدر، وإذا كانت الحِكم دوّنت ذلك فيُمكن أن يُقبل، فهو ليس سنّاً مستحيلاً، وليس أمراً لا يمكن وقوعه.
كما أنه ليس بين أيدينا قيدٌ حول زمن وفاته، غير أنه من الثابت وفاته في مدينة يسي.
ويسي هي مدينة مهمّة، وهي إحدى عواصم الأوغوز كاغان، صيرم أيضاً مهمّة، ولكن يسي مكان مهمّ لكونها مركزاً ثقافياً للإمبراطوريات القديمة، ومن الممكن أنه لم تبقَ منها أي أثر الآن.
تجب المقابلة بين المنظومات التي في ديوان الحكمة وبين منظومات يونس إمره!.. هذا مهمّ جداً؛ لأن بعض أشعار يونس إمره هي أشبه ما يكون بترجمةٍ لبعض الحكم من ديوان الحكمة.
تنظرون وتقرؤون، هو يونس بالضبط... فتقولون: "يعني أن يونس أخذ نفس الأفكار من هنا، ثم قالها بتركيّة الأناضول"، هناك علاقة إلى هذا الحد بين ديوان الحكمة ويونس إمره.
هناك بعض الأمثلة التي وجدتُها، ولكن يمكن مضاعفة هذه الأمثال، فمن هناك يتبيّن أن يونس إمره إنسان مرتبط بالفعل بالشيخ أحمد يسوي.
للشيخ أحمد يسوي حِكمٌ، وهناك ناس كاملون وأولياء لله ربّاهم...
كان هناك شيء أثار انتباهي عند تأليفه للمحمّديّة قال محمد يزجي أوغلو في مقدّمتها:
"رأيت في منامي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرني وكتبت".
هم لا يؤلّفون كيفما اتفق، يكتبون انطلاقاً من إشارة معنوية، رأى سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فألّف المحمدية بأمر منه، وأخذها إلى شيخه حجي بيرم الولي... كلمة الشيخ حجي بيرم الولي مهمّة... أخذ الكتاب وقال: "يا ولدي! ليتك أخذت روحاً وربيته بدلاً من اشتغالك بالكتابة والخط".
هؤلاء المباركون يرون تربية الناس أمراً مهماً جداً.
ونحن في هذا العصر نرى أن تأليف الكتب مهمّ، أنا شخصياً أراه مهمّاً جداً، أخشى أن تبقى كلمة لم نقلها، أحزنُ لأن كثيراً من الأشخاص يذهبون إلى قبورهم أو ذهبوا بالفعل دون أن يقولوا ما عندهم من العلم، أنا أعتقد أن الكتابة ضرورية، أما حجي بيرم الولي فيقول هذا.
هذه هي عقليتهم، تربية إنسان كامل... لأن إنساناً كاملاً واحداً يُربّي آلاف الناس، تأخذونه وتضعونه في مكان ما، فيُحول المكان الذي ذهب إليه إلى مستعمرة، وشيخُه أرسلَ عبد الأحد نوري أفندي إلى جزيرة ميدلّي، فأدخل الكثير من الناس في الإسلام هناك.
لقد كان خُلفاؤه هم مؤلّفاته؛ لأن تربية الإنسان مهمّة، ونحن نعرف أن حجي بكتاش الولي وأولياء خراسان والدراويش الشجعان وأغلب من جاء للأناضول من أجل الجهاد جاؤوا بإشارة من الشيخ أحمد يسوي.
ذُكر هذا قولًا في مناقب حجي بكتاش ولي؛ وهو صحيح تاريخيّاً، فحتّى إن كان في مناقبه مبالغة فإن إشارته للأناضول متحقّقة حيث إن تلك البقاع كانت قد فُتحت تقريباً، وبما أن أفق الفتوحات الكبرى هي في الأصل الأناضول فقد ساق مريديه قائلاً: "سيروا إلى تلك الجهة".
الفاتح المعنوي للأناضول هو الشيخ أحمد يسوي؛ لأنه هو من أرسل، وهو من أشار، وبعد حروب دامت لعصورٍ تمّ الفتح.
للشيخ أحمد يسوي أثر آخر اسمه فقر نامه... وقد نسّقه للنشر كمال أرسلان([26])، يقول في مقدمته:
"هكذا تفضّلَ الشيخ أحمد يسوي سلطان الأولياء، قطب الأقطاب بهذا الأثرَ".
نسبة فقر نامه للشيخ أحمد يسوي يردّها كمال أرسلان، وفؤاد كوبرلي كذلك له نفس هذا الرأي تقريباً، يُردُّ ذلك لأن هذا الكتاب غير موجود في المؤلّفات القديمة وفي مجموعات الحكمة.
فقر نامه ليست جزءاً من ديوان الحكمة بل مؤلَّفٌ مستقل.
يقول هؤلاء: بأن هذا الأثر ليس له، بل وضعه أحدهم مستندين إلى مجموعة من الأسباب، ويعتبرونه غير موثوق.
وفقر نامه موجود في بداية ديوان الحكمة في طبعة قازان الأخيرة، لقد وصل إلى هناك من مكانٍ ما، فهم لا يقولون: "أحمد يسوي قال هذا" بلا سبب، المقدمة في المؤلفات القديمة مهمة جداً، وكون الأثر لأحمد يسوي بيّنٌ في مقدّمته، فالمقدّمة بهذا المعنى هي المصدر الوحيد.
فقر نامه مؤلَّف مستقل، وهو مطابق لمواقف أحمد يسوي الصوفية الأساسية، ليس معارضاً لها، لذلك فلا يجب ردّه هكذا فوراً.
هذه النقطة الأولى، وهناك نقطة ثانية أيضاً يغضون الطرف عنها، وهي أن لحجي بكتاش الولي أثراً شبيهاً بـفقر نامه، أي: إن في داخل المقالات قسماً مثل فقر نامه:
"العبد يصل إلى الله بأربعة مراحل: الشريعة، الطريقة، المعرفة، الحقيقة. وفي كل مرحلة عشر مقامات".
فقر نامه أيضاً تقول الشيء نفسه حيث يقول: "العبد يصل إلى الله من أربعة أبواب"، يقول أحمد يسوي: "هناك أربعون مقاما".
من حيث النتيجة يتشابه هذان الأثران من خلال خطوطهما الأساسية، حجي بكتاش الولي عاش في القرن الثالث عشر، يعني أن هناك فوق الأرض في القرن 13 أثراً يشبهه، وهناك رواية تقول بأن لقمان برنده الذي جاء حجي بكتاش الولي بواسطته من خراسان كان يسويّاً.
بناء على ذلك ومن خلال أدلّة مثل هذه لا يمكن أن نرُدّ فقر نامه لأنه موجود في طبعات ديوان الحكمة التي طُبعت في القرنين 19 و 20، التاريخ يعود للقِدم، هناك أربعون مقاماً في كتاب حجي بكتاش الولي أحد دراويش اليسوي في الأناضول... وفي داخل ديوان الحكمة أيضاً... هناك تعابير الشريعة والطريقة والمعرفة والحقيقة، وأحمد يسوي يقول بنفس الشكل إنها متمّمة لبعضها البعض. وطبعاً حجي بكتاش الولي أيضاً يقول ذلك في المقالات.
بناء على ذلك يمكن سحب المسألة إلى ما قبل القرن 19، ويمكن أن نعود بها إلى القرن 13، ونرى تمظهُراً لذلك أيضاً في حجي بكتاش الولي اليسويّ الذي أُرسِل إلى الأناضول، وبهذا الاعتبار فإن مواقف كمال أرسلان وفؤاد كوبرلي خاطئة، ولا يمكن أن تُقبل، فقر نامه كتابٌ يمكن أن يعود للقرن 13.
لو أمكن القيام بمقابلة مع كتاب القرن 16 جواهر الأبرار فسنرى هناك أيضا أشباهه، أريد توجيه الكلام إلى هذا الأمر: يمكن أن يكون لأحمد يسوي كتابٌ عن التصوف مثل فقر نامه كما يُفهم ذلك من مقالات حجي بكتاش الولي أيضاً، عندما ذهب كاتب مهمان نامه بخارى المُسمّى فضل الله إلى هناك وزار ضريح يسوي يقول: إنه رأى هناك مؤلَّفاً في التصوف جميلاً جداً ورائعاً يعود للطريقة اليسوية.
يعني أن هناك العديد من المؤلفات القديمة التي فُقدت وتجزّأت.
في المجموعة المسمّاة ديوان الحكمة هناك أشعارٌ تعود للشيخ أحمد يسوي، ولكنها ليست كلها له، فقد جُمعت في شكل مجموعة بمساهمة من دراويش اليسوي، هذا معروف، ويمكن التفريق بينها.
وكمفتاح للتفريق بينها يمكن أن نقول: "الحِكم التي فيها شبه بيونس إمره قديمة"، وبالنظر إلى أن استفادة يونس إمره من الحِكم أمر قاطع، يمكن أن نعتمد معياراً مفاده أن الأقسام التي فيها حِكم تمّت صياغتها بأفكار تشبه يونس هي حِكم تمتد إلى عصر أحمد يسوي، وفقر نامه يمكن أن يكون كتاباً يبيّن مواقف أحمد يسوي المتعلقة بالتصوف.
*شخصيات تاريخية وصوفية: ص133-140// Tarihî ve Tasavvufî Şahsiyetler: İstanbul: Server İletişim, 2015, 4. Baskı, s. 113-140
([1]) Bursalı Mehmed Tâhir, Osmanlı Müellifleri, I, 12.
([2]) مؤلف هذا الكتاب هو وهبي وقاص اوغلو.
([3]) لمعلومات أوسع، انظر: Naim-Bek Nurmuhammedoğlu, Hoca Ahmed Yesevî Türbesi (haz. Hayati Bice), Ankara 1991.
([4]) 24/ النور، 35. قولٌ مستلهمٌ من آية "نور على نور".
([5]) البخاري (Buhârî)، بدء الوحي (“Bed’ü’l-vahy”)، 1؛ مسلم (Müslim)، الإمارة (“İmâre”)، 155.
([6]) 51/ الذاريات، 56.
([7]) 11/ هود، 7؛ 67/ الملك، 2.
([8]) 4/ النساء، 48، 116.
([9]) مالك (Mâlik)، القرآن (Kur’ân)، 32؛ الحج (Hac)، 246؛ عبد الرزاق (Abdürrezzâk)، ج 4، 387، حديث رقم (hadis no): 8125؛ البيهقي (Beyhakî)، السنن الكبرى (es-Sünenü’l-kübrâ)، ج 4، 248؛ ج 5، 115.
([10]) البخاري (Buhârî)، الصلاة (Salât)، 28؛ ابن خزيمة (İbni Huzeyme)، ج 4، 7، حديث رقم (hadis no): 2247؛ الترمذي (Tirmizî)، الإيمان (Îmân)، 2، حديث رقم (hadis no): 2608؛ أبو داود (Ebû Dâvûd)، الجهاد (Cihâd)، 95، حديث رقم (hadis no): 2642؛ النسائي (Nesâî)، الجهاد (Cihâd)، 1، حديث رقم (hadis no): 3092؛ تحريم الدم (Tahrîmü’d-dem)، 1، حديث رقم (hadis no): 3964-3965، 3967؛ الإيمان (Îmân)، 15، حديث رقم (hadis no): 5000؛ أحمد بن حنبل (Ahmed b. Hanbel)، المسند (Müsned)، ج 3، 199، حديث رقم (hadis no): 12990؛ ج 3، 224-225، حديث رقم (hadis no): 13281؛ الطحاوي (Tahâvî)، شرح معاني الآثار (Şerhu meâni’l-âsâr)، ج 3، 215. الحاكم (Hâkim)، ج 1، 544، حديث رقم (hadis no): 1427؛ البيهقي (Beyhakî)، السنن الكبرى (es-Sünenü’l-kübrâ)، ج 2، 3، حديث رقم (hadis no): 2031؛ ج 3، 92، حديث رقم (hadis no): 4921؛ ج 7، 4، حديث رقم (hadis no): 12897؛ ج 8، 177؛ أبو يعلى (Ebû Ya’lâ)، المسند (Müsned)، ج 1، 69، حديث رقم (hadis no): 68.
([11]) الكتاب المسمّى مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ألّفه محمد حميد الله. دار النفائس، الطبعة السادسة، 1987 (الطبعة السابعة، 1990).
([12]) ابن الأثير (İbnü’l-Esîr)، أسد الغابة (Üsdü’l-ğâbe)، ج 4، 373-374، رقم: 4279 (كان واليا على المدينة في عهد علي رضي الله عنه وفي عهد معاوية رضي الله عنه استشهد في سمرقند التي ذهب إليها سعيد بن عثمان رضي الله عنهما)
([13]) علي المتقي (Ali el-Müttakî)، كنز العمال (Kenzü’l-ummâl)، ج 10، 235، حديث رقم (hadis no): 28677. وجزء "العلماء ورثة الأنبياء" ذُكر ضمن رواية طويلة نُقلت عن أبي الدرداء رضي الله عنه في: أحمد بن حنبل (A med b. Hanbel)، ج 5، 196، حديث رقم (hadis no): 21763. انظر: أبو داود (Ebû Dâvûd)، العلم (İlim)، 1، حديث رقم (hadis no): 3641؛ الترمذي (Tirmizî)، العلم (İlim)، 19، حديث رقم (hadis no): 2682؛ ابن ماجه (İbni Mâce)، الافتتاح (İftitâh)، 17، حديث رقم (hadis no): 223؛ ابن حبان (İbni Hibbân)، ج 1، 289، حديث رقم (hadis no): 88.
([14]) أبو نعيم (Ebû Nuaym)، فضيلة العادلين (Fazîletü’l-âdilîn)، 185-186؛ يقول العراقي "ذكر في تخريج أحاديث الإحياء وفي ضعفاء العقيلي وفي موضوعات ابن الجوزي". انظر: العجلوني (Aclûnî)، كشف الخفاء (Keşfü’l-hafâ)، حديث رقم (hadis no): 1748، 1838.
([15]) ابن عساكر (İbni Asâkir)، تاريخ دمشق (Târîhu Dımaşk)، ج 14، 267؛ القضاعي (Kudâî)، مسند الشهاب (Müsnedü’ş-Şihâb)، ج 1، 100، حديث رقم (hadis no): 115. نسب العجلوني الحديث إلى القضاعي وابن عساكر وبيّن أنه نقله في الضعفاء للعقيلي. كما أضاف أن العامري حسّن هذه الرواية. انظر: كشف الخفاء (Keşfü’l-hafâ)، حديث رقم (hadis no): 1749.
([16]) نسب العجلوني الحديث إلى ابن النجار في تاريخه وذكر أن رجاله ثقات. انظر: كشف الخفاء (Keşfü’l-hafâ)، حديث رقم (hadis no): 1746.
([17]) حول الحديث المنقول عن أبي رافع رضي الله عنه، انظر: الطبراني (Taberânî)، المعجم الكبير (el-Mu’cemü’l-kebîr)، ج 1، 315، حديث رقم (hadis no): 930؛ الحاكم (Hâkim)، ج 3، 690، حديث رقم (hadis no): 6537؛ يبين الهيثمي أن الرواة الذين في سند الطبراني ثقات. انظر مجمع الزوائد (Mecma’u’z-zevâid)، ج 5، 602.
([18]) 36/ يس، 69.
([19]) مسلم (Müslim)، المساجد (Mesâcid)، 5-8؛ النسائي (Nesâî)، الجهاد (Cihâd)، 1، حديث رقم (hadis no): 3087؛ ابن ماجه (İbni Mâce)، الطهارة (Tahâret)، 90، حديث رقم (hadis no): 567؛ أحمد بن حنبل (Ahmed b. Hanbel)، المسند (Müsned)، ج 2، 250، حديث رقم (hadis no): 7397؛ ج 2، 442، حديث رقم (hadis no): 9666؛ ج 2، 501-502، حديث رقم (hadis no): 10465؛ ج 2، 411-412، حديث رقم (hadis no): 9308؛ ج 2، 396، حديث رقم (hadis no): 9115؛ ج 2، 268، حديث رقم (hadis no): 7620؛ ج 2، 314، حديث رقم (hadis no): 8135؛ ج 2، 264، حديث رقم (hadis no): 7575؛ ج 2، 250، حديث رقم (hadis no): 7397؛ ج 2، 240، حديث رقم (hadis no): 7265؛ عبد الرزاق (Abdürrezzâk)، ج 11، 99، حديث رقم (hadis no): 20033.
([20]) 2/ البقرة، 269.
([21]) انظر: Münevver Tekcan, Hakîm Ata ve Bakırğan Kitabı, Yayımlanmamış Doktora Tezi, Konya 1997.
([22]) حول نسخة المؤلف والوحيدة، انظر: مكتبة السليمانية، الفاتح، رقم: 430-432.
([23]) نُشر الأثر سنة 1995. انظر: Ahmed b. Mahmud b. Hacı Şah Hazînî Kuşeyrî İskenderî, Cevâhirü’l-ebrâr min emvâci’l-bihâr: Yesevî Menâkıbnâmesi (haz. Cihan Okuyucu), Erciyes Üniversitesi Gevher Nesibe Tıb Tarihi Enstitüsü Yayınları, Kayseri 1995.
([24]) نُشرت نصوص المداخلات المذكورة إلى جانب مقالات أخرى في كتاب بعنوان Ahmed-i Yesevî Hayatı Eserleri Tesirleri (haz. Mehmet Şeker, Necdet Yılmaz) (Seha Neşriyat, İstanbul 1996).
([25]) ديوان يونس أمره (Yûnus Emre Dîvânı)، ج 4، 482.
([26]) انظر: Kemal Eraslan, “Yesevî’nin Fakrnâmesi”, İstanbul Üniversitesi Edebiyat Fakültesi Türk Dili ve Edebiyatı Dergisi, sy. 22 (1974-76), s. 45-120.
مقالة
“Ahmed-i Yesevî”
Prof. Dr. M. Es'ad Coşan (Rh.a.)