محمود أسعد جوشان / البروفيسسور الدكتور محمود أسعد جوشان رحمه الله

ماهو الإسلام؟*

كلمة "إسلام" ذاتُ معنى كبير، ومعناها الحرفي هو "الطمأنينة والصلح والسكينة". حيث أن الصلح والسكينة هما الفكر الأساسي الحاكم لكامل النظام الذي أسّسه [الإسلام]. والكلمة تعني كذلك "التسليم والانقياد". أما معناها الثالث فهو "الطريق إلى الطمأنينة والسكون". والمعلومات التي يقع تعليمُها باسم الإسلام توصلُ أتباعه إلى الأحوال التي عُبِّر عنها بهذه الكلمات وإذا تمّ الالتزام بها حرفيا في الحياة اليومية فإنّ تحقيقها للصلح والسكينة في كلِّ العالم أمرٌ مؤكّد.

القراءة بلغة أخرى

تأليف: (J. W. Lovegrove حبيب الله)
ترجمة: البروفيسور محمود أسعد جوشان رحمه الله

تمهيد

من المعلوم أن مؤسسة الكنيسة في المسيحية ومواقف الرّهبان الانتهازية وغير المسؤولة فيها تتّبع مسارا منحرف الغاية وبعيدا عن المنطق. وهي (المسيحية) بحالتها هذه لا تُقنعُ عقول المفكرين الأوروبيين ولا ضمائرهم، وتتسبّب في وقوع الناس في أزمات روحية أو انزلاقهم نحو اللادين. ومع هذا الوضع فإن بعض المثقفين يختارون طريق الدراسة الدقيقة لجميع الأديان الكُبرى الموجودة في العالم والبحث عن الحقيقة.

بالرغم من العزو الذي لا أصل له والافتراءات والدعايات المخيفة التي تديرها مؤسسة الكنيسة فإن هناك عددا لا حصر له من الأوروبيين الذين اعتنقوا الإسلام معتقدين أنه الدين الحق بعد أن قاموا بمُقارنات وتدقيقات موضوعية. ويوجد من بين هؤلاء علماء ذرّة ومستشرقون بل ورهبان أيضا.

هذه [الحالات] من الاهتداء التي تحصُل بلا إكراه ولا دعاية ولا دعوة هي دليل قاطع على إلهيّة الإسلام، وهي بمثابة جواب عمليّ على القناعات المضحكة التي لا تتوافق مع العقليات التي تشرّبت بالحضارة والتقنية الغربيّتين.

إن عرضنا لكتابٍ بعنوان " What is İslam? " للأنجليزي المسلم "J. W. Lovegrove" على قرّائنا بالرغم من وجود عدد لا حصر له من المؤلفات المنشورة التي تُبيّن ماهية الإسلام وروحه في الشرق والغرب مردُّهُ إعطاؤنا أهمّيّةً ومعنى خاصّين للمؤلّفات التي تعكسُ قناعات الأوروبيين المهتدين المعتنقين للإسلام -بعد أن ولدوا مسيحيين- حول الإسلام. وبهذه الصورة يكون قُرّاؤنا قد اطّلعوا على كيفية رؤية الغربيين لديننا وكيفية فهمهم له.

محمود أسعد جوشان

مقدمة

هذه الصفحات هي عبارة عن محاولة متواضعة قمت بها استجابة لمطالب وأسئلة جاءتني من أطراف عدّة حول أسباب دخول الناس في الإسلام. وأنا لا أريد القيام بمحاسبة نظام الإيمان فيه ولا الدفاع عنه. هناك بعض الأشياء الفريدة حوله. غير أنّه دِينُ تاريخٍ أكثر منه شيئا آخر ومؤسِّسُه شخصيّة تاريخية. في حين أنّنا نعلم أشياء قليلة جدا حول التعاليم الأصلية والأولى للأديان الأخرى. وقد وصلت إلينا بعض التصورات المشوشة التي تحتوي على بعض الأوامر الأخلاقية التي ثبتت صحّتُها. [كما أن] حياة الأنبياء الآخرين جميعهم تقريبا مُغطاةٌ بالأسرار والأساطير وهي (حياة الأنبياء ) لا يمكن أن تساعدنا في التثبت من تعاليمهم (الأنبياء) من خلال أساليب تصرُّفاتهم. في مقابل ذلك إذا تحدثنا عن الإسلام فإنّه لا يمكن لأحد أبدا أن يشُكّ في وثوقيّة الوثيقة التي تحتوي على معلومات حوله. فكتاب الإسلام -القرآن الكريم- هو نفسه اليوم على نفس الصورة التي كان عليها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد انتقلت إلينا كلماته المُبيِّنة لتصرّفاته وأفعاله ولأحكام الكتاب المختلفة بصفائها الأصلي كما هي. لذلك فإن ما كتبته في هذه الصفحات هو بمثابة بيانٍ وشرحٍ لبعض المعلومات التي وجدتها بين كلمات القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم. وقد وجدت فيها (تلك الكلمات) الطمأنينة والسلوى التي بحثت عنها قبل ذلك في أماكن أخرى ولم أجدها.

لقد كنتُ أطمح إلى دينٍ ممكن التطبيق نقيٍّ وصافٍ وبعيدٍ عن الأفكار والعقائد التي لا يمكنني قبولها من دون أن أقتُل عقلي ومنطقي. وإنّ قيامي بواجباتي تجاه الله ومن هم حولي هي الغاية الأولى لنظامِ كلّ دين، أو هكذا يجب أن يكون. غير أن الإسلام جاء ليمنح شكلا عمليّا وصورة قابلة للتطبيق عن هذه القاعدة الأساس. إنّنا نريد أحكاما –بأمثلةٍ لها- تُلبّي جميع ضرورات الحياة وحوادثها المحتملة ونريد تعليمات وأوامر تكون دليلًا لحلّ المصاعب التي نواجهها، وهذا هو ما وجدته في الإسلام.

كما أنني قد حصلت على إذنٍ بإضافة نصٍّ مهمّ جدا إلى كتابي عنوانه "الإسلام" قدّمهُ الحاج خواجه كمال الدين في مؤتمر ومبلاي الديني سنة 1924. وهذا النص المذكور سيزيد من توضيح النقاط التي تجاوزتها أو لم أنتبه لها بسبب قلّة اختصاصي.

***

ماهو الإسلام؟

الإسلام هو اسمٌ أطلقه الله بنفسه على الدين الذي ظهر في أرض العرب قبل أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان والذي دعى إليه النبي المقدس محمد صلى الله عليه وسلم. وهو الدين الخاتم للأديان الكبرى في العالم. واسم الإسلام لم يُطلقهُ أتباع هذا الدين بل وردَ صراحةً في القرآن الكريم. حيث تقول الآية 18 من سورة آل عمران "إن الدين عند الله الإسلام"، وتقول الآية الثالثة من سورة المائدة " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا".

كلمة "إسلام" ذاتُ معنى كبير، ومعناها الحرفي هو "الطمأنينة والصلح والسكينة". حيث أن الصلح والسكينة هما الفكر الأساسي الحاكم لكامل النظام الذي أسّسه [الإسلام]. والكلمة تعني كذلك "التسليم والانقياد". أما معناها الثالث فهو "الطريق إلى الطمأنينة والسكون". والمعلومات التي يقع تعليمُها باسم الإسلام توصلُ أتباعه إلى الأحوال التي عُبِّر عنها بهذه الكلمات وإذا تمّ الالتزام بها حرفيا في الحياة اليومية فإنّ تحقيقها للصلح والسكينة في كلِّ العالم أمرٌ مؤكّد.

يُسمّى من دخل في الإسلام "مُسلمًا" أي أنّه "مسالمٌ ووديعٌ ومُنقاد". ولا يُمكن لمن لم يتمكن من بناء سلامٍ مع الله ومع مخلوقاته أن يكون مسلما. والسلام والصلح مع الله يكون بالتسليم لإرادته والاستجابة لأوامره. أما السلام مع الناس فمعناه حسنُ التعامل مع الجميع.

"أفضل عباد الله المُختارين الطائعين هُم الذين تُذكِّر بالله رؤيتُهم. أمّا أسوء الناس فهم المشاؤون بين الناس بالنميمة، المُضِرّون، المفرقون بين الأصدقاء والمتتبّعون لعيوب الناس".

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". والفكرة جميعُها عبّرت عنها هذه الآية من القرآن الكريم:

" بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"[1].

أهداف الدين

كلّ طفلٍ يأتي إلى الدّنيا معصوماً وخالياً من الذنوب. وليس في الإسلام شيء اسمُه المُصالحة بينه (ذلك الطفل) وبين الرّبّ الغاضب، لأنّه (الطفل) وخالقُه متصالحان ومتوافقان أصلا؛ ولا تلزمه شفاعةٌ من أجل الصّفح عنه ولا كفارة من أجل إزالة لوثة ذنبٍ موهوم[2]. فقد أُودِعَ استعدادا وقابليّةً عالية وتكامُله يكون بالقوّة، أي أنّ إمكانيّاته لا حدّ لها. حيث أنّنا نرى في القرآن الكريم هذه الآيات:

"لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)"[3].

إن وظيفة الدين هي مساعدة المسلميين على إظهار الأشياء الجيّدة والأصلية الموجودة في فطرتهم كاستعداد مبدئيّ. ومن هذا المنطلق فالإسلام ليس مجموعة من العقائد فقط، بل هو إلى جانب ذلك أوامرُ ومبادئ يجب تحويلها إلى حركات وأفعال. فالإيمان الجاف الذي لا تطبيق لهُ يعني في الإسلام قانونا ميّتا، وهو لا يساوي شيئا عند الله.

إنّنا – كما علّمَنا القرآن- أصحابُ قابليّةٍ خارقة للعادة أودعَها الله فينا، وأفضل عبادة أو شكرٍ لله هي إظهار تلك القابلية واستعمالها لما فيه خيرُنا. نحن نعبد الله وندعوه ونُجِلُّه ونُعليه، غير أنّ هذه الأفعال إذا لم تسِرْ بالتوازي مع إصلاح أنفسنا وتربيتها فإنّها لا تُعتبر ذات قيمةٍ بمعيار دين الإسلام. والاعتقادات إذا لم تُطبّق عمليّا وفعليّا فهي بلا فائدة وبلا ثمرة. وإذا لم نُخرِج الثروات التي في فطرتِنا من القوّة إلى الفعل فلن نكون قد عبدنا الله حق عبادته. لأنّ ذلك يعني أننا لم ننجح ولم نصل إلى الهدف الأكبر من خلقنا. يقول محمد صلى الله عليه وسلم:

1- إن الله لا يقبل عبادةً لم يرافق ويشارك فيها القلبُ البدنَ. (هكذا ترجمتها عن النص)

2- كلّ صلاة لم تنه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد صاحبها من الله إلا بعدًا.

3- أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

4- اعبدوا الله صباحا ومساءا واشتغلوا نهاركم بأمور دنياكم. إن العبادة تُقرّب العبد من نفسه ومن الرازق. (هكذا ترجمتها عن النص)

"الثروة الحقيقية التي يقدمها الشخص لمستقبله هي إحسانه لأقربائه وأصدقائه. فهو عندما يموت سيسألُ الناسُ: "ماذا ترك خلفه من مالٍ ومُلكٍ؟"، غير أن المَلَك الذي يُسائلُهُ سيسألهُ: " ماذا قدّمت لآخرتك من أعمال حسنة؟".

الإسلام دين الإنسانية

"إن الدين عند الله الإسلام"[4]. "الالتزام بأوامري والشفقة على مخلوقات الله"، هذا هو تعريف الإسلام من قبل محمد صلى الله عليه وسلم. وبذلك لا يمكن اعتبار الإسلام محصورا في أيّ زمان أو مكان. وهذا هو حجر الأساس لجميع الأديان التي أُوحِيت إلى الإنسانية. هكذا أخبرنا القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم. ودين الإسلام بثَّ أضواءه إلى عالم الإنسانية منذ العصور الأولى. فقد كان دين سيدنا آدم وجميع الأنبياء من بعده أيضا. لذلك فنحن المسلمون لا ننظر إلى بقية الأديان على أنها مراحلُ معيَّنَة لتطوّر الإنسان؛ نحن نعتقد بأنها جميعها جاءت من نفس المصدر الإلهي وأنها في صفائها الذي كانتهُ في أزمنتها الأولى تربطنا كما يربطنا الدين الذي دعا إليه محمد صلى الله عليه وسلم. جميع الأنبياء يستحقون منّا احترامًا متساويا وعندما نرتبط بهم فإننا لا نُفرق بين أحد منهم. والقرآن أصلًا يوصينا بذلك من خلال هذه الآية:

"قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"[5]

هل يوجد من بين تعاليم الأديان الأخرى الموجودة اليوم في العالم شيئا يمكن مقارنته بهذا الأساس العظيم؟ المنطق والمحاكمة واضحان جدا: نحن لا نعبُد الأنبياء؛ نحترمهم لأنهم رُسُل ربّنا والمُحدِّثون عنهُ. مع هذه الصِّفة لا مشروعيّة لأفضليّةٍ أيّ عرقٍ مباركٍ مقدّسٍ على حساب غيره، خاصّة بعد أن أخبرنا القرآن بأن جميع أولئك الأنبياء قد جاؤوا بنفس الدين.

هل يمكن أن يكون هناك عراك أو سببُ خلافٍ ما بين مسلمٍ وبين شخصٍ منتسب إلى دينٍ آخر؟ عندما تنسبون أيّ امتيازٍ أو أنانيّةٍ إلى دينكُم من خلال احتقارِ مُعلِّمي الأديان الأخرى، تكونون قد بذرتُم بذور الفرقة والاختلاف. ولعلّ هذا هو السبب الأساسي الذي جعل القرآن يُسمّينا مسلمين. " ...هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ..."[6]. وليس اسم "مُحمّدين" الذي استُخدم على وجه الخطأ أحيانا.

لا شكّ في أنّ إدراكنا لكونِ الدين القديم والأصلي الذي كان موجودا منذ بداية الإنسانية أي الإسلام هو آخر دينٍ مُنزّل كان بواسطة إخبار محمّد صلى الله عليه وسلم لنا، لذلك فنحن نحبّه محبّةً من أعماق قلوبنا ونحترمه. فهو أيضا مثلنا بالضبط تابع لهذا الدين، أي أنه كان مسلما: "... وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ"[7].

بما أنّ المُسلم هو الذي يُطيع القانون الإلهي ويربط رغباته وإرادته بإرادة الأجلِّ فإنني لا يمكنني تصوُّرَ نبيلٍ لا يقبل بأن يُطلَق عليه هذا الاسم.

الإسلام يوجِب أنه لا دين غيره. فالذين يرفعون لافتاتٍ مختلفة باسم هذا الشخص أو ذاك يكونون بذلك قد خالفوا عهد الوفاء والارتباط المُبرم وتصرّفوا بطريقة غير محترمة ومخالفة الأمور التي طلبها الأنبياء منهم. وهم بهذا الشكل من التصرفات يُنشؤون الخصومة والفرقة بين مجتمعات الناس المختلفة.

إنّ دليلنا ومصدر إلهامنا الكامل هو القرآن الكريم وتعاليم النبيّ (الحديث). وبسبب تشريف النبي المقدّس محمد صلى الله عليه وسلم فإننا لا يمكن أن نقبل تعاليم جميع الأديان الأخرى أبدا إذا لم تكن موافقة لروح القرآن. لأنّه ليس هناك أي كتاب سماوي باستثناء القرآن تمكن من البقاء بعيدا عن تصرّف البشر وتدخّلهم ومن الوصول إلينا بصفائه الأصلي. هذه حقيقة يعرفها الجميع ويقبلُها. أما القرآن – وكما هو معلوم - فقد وصل إلينا من دون تحريف وبصورة تأبى التغيير. أفليس من الجليّ أننا على حق؟

نحن نؤمن بأن كُلّا من موسى وعيسى [عليهما السلام] أيضا مبعوثٌ بِدينٍ. ولكن هل بإمكاننا الاعتماد على التوراة والإنجيل والنظر إليهما على أنهما تدوينات حقيقيّة لتعاليمهما؟ إذا لم يكن بإمكاننا ذلك –وقد أثبتت البحوث العلمية الحديثة أنّ الإنجيل الموجود الآن كتابٌ غير موثوق وغير جدير بالاعتماد- فليس أمامنا من عملٍ سوى قبول القرآن بوصفه كتابا فريدا يحتوي على حقائق دينيّة. وهذا الكتاب في الأصل يُجمِلُ ويُلخِّصُ داخلهُ كلّ الحقائق القديمة التي أُوحِيَتْ إلى جميع الأنبياء ومُعلِّمي الإنسانيّة الآخرين. "... صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)"[8]. كما أن القرآن إلى جانب ذلك يحوي حقائق تُلبِّي احتياجات الإنسانية الأخرى: "... مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ..."[9].

وبذلك نكونُ قد آمنّا بالإنجيل وببقيّة الكتب المقدّسة جميعها على صورتها الأصلية الصافية من خلال إيماننا بالقرآن. يقول القرآن الكريم: " تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)"[10].

في الآية الأخيرة يعرض القرآن تشبيها جميلا جدّا وموفّقا ويقيس الوحي الإلهي بالمطر. فالماءُ يُنبتُ الحياة ويؤثّر تأثيرًا مُحيِيًا. ولو أن المطر بقي على حاله عند نزوله إلى الأرض دون أن يتلوّث أو يتّسخ لما كانت هناك حاجة إلى المطر الطازج. فبالرغم من وجود الماء على الأرض بكميات كبيرة وعلى شكل مُحيطاتٍ إلا أنّه غير مناسبٍ من جميع الأوجه لمواصلتنا لحياتنا ولا يُلبّي حاجتنا إلى المطر الصافي والطازج. وكذلك الكلمات الإلهية تأتي من حين لآخر مثل قطرات المطر فتسقي قلوب الأنبياء وتُنبِتُها. هذه الحادثة تتكرّر كُلّما تعكّر مطر الرحمة الروحاني (أي نظام الوحي) النازل على النبي السابق واتّسَخَ.

لم يبقى أيّ كتابٍ آخر على كماله الأصلي بمنأى عن التحريف، ومع قدوم كلّ نبيٍّ نشأت ضرورة وحيٍ جديد. ما دام الأمر كذلك فلماذا كان القرآن خاتم الكُتب الإلهية ولماذا كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء؟

جوابُ هذا السؤال موجودٌ في ما قلتُه سابقا. فوحيُ الله للإنسانية جاء دائما ليُنير طريق تكامُلها، وقد أنزَلَ الله بعض الأحكام المُحدّدة التي تُطبَّق كما ينبغي من قبل الأنبياء الذين هم حَمَلةُ الخبر الإلهي. هذه الأحكام والأوامر تجلّت في شكل تصرّفات الأنبياء. ولو أنّ تلك الأوامر وتصرفات الأنبياء بتمامها نُقِلت إلى الأجيال اللاحقة بلا فصلٍ ولا انقطاعٍ لما بقيت هناك حاجة إلى وحي جديد ولا إلى نبِيّ ثانٍ. ولو كان ذلك لكان أوّل نبيٍّ للإنسانيّة هو آخر نبيٍّ لها في ذات الوقت. ولكن من حيث التطبيق فإنّ ما جاء به كلّ نبيّ ما لبث أن تستّر بستار الأسرار والأسطورة مع الأسف؛ وتحوّل إلى حكاياتٍ ملفّقةٍ لا يمكن الوثوق بها في تصويب تعاليمهم وسِيَرِهِم إلى درجةٍ يُشكُّ معها في كونِ بعضهم أشخاصًا حقيقيين عاشوا بالفعل. أما بالنسبة لمحمّد صلى الله عليه وعلى بقية الأنبياء وسلّم فالتاريخ يسجّل وضعا مختلفا تماما. حيث أنّ كلّا من أوامره التي جاء بها وأفعاله التي تعتبر نموذجا عنها قد وصلت إلينا من غير تلفٍ ولا تحريف. فهي مازالت إلى الآن حيّةً بألوانها الأصلية والجذابة، وإذا دعت الحاجة إلى تزويد الإنسانية مجدّدا بالنماذج والأحكام الإلهية بواسطة مؤسسة النبوّة فسنجد بأنّ كلّ ما يلزمُ ويُحتاج إليه موجودٌ أصلا في تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم التي وصلت إلينا. ولهذا السبب فإن النبي هو آخر الأنبياء.

" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"[11].

إنّ انتهاء مرحلة الوحي إلى الأنبياء ودوام التواصل الإلهي مع الناس أمران مختلفان يجب عدم الخلط بينهما. فالإسلام يُقرُّ بأن كلّ روحٍ وصلت إلى الكمال يمكنها أن تتلقى الإلهام الإلهي ويُبيّن لنا طُرق الوصول إلى اكتساب الأهلية لذلك. هذه النقطة تشكّل إحدى قيم الإسلام التي لا حدّ لها والتي جعلتني أنجذب إليه وأُعجب به. يقول القرآن الكريم: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ"[12]. فالوصول إلى إرشاد الله وإلهامه مباشرة وبدون واسطةٍ هو امتيازٌ خاصّ بالمسلم.

يقول عز وجل أيضا في القرآن: "يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ"[13].

"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)"[14].

"الاستقامة" لا تكون مُمكنة إلا بتلقي المرء للإرشاد والإلهام الإلهي. والقرآن جاء ليُعرّفنا بطريق الاستقامة هذا وَوَضَعَ مبادئ الوصول إلى النجاح. وخلاصة الأمر أنّ تعاليم القرآن تُحقّق هذا الأمر، ولذلك فهو (القرآن) يؤكّد على أن الوحي قد انتهى. ربّما يكون هناك ألف طريق للوصول إلى الهدف، غير أن الطريق الصحيح هو الصراط المستقيم أو هكذا يجب أن يكون. وبما أن القرآن نجح في بيان هذا الطريق فهذا يعني أنه لا شيء فوق ذلك يمكن القيام به. وخلف هذه الحقيقة تكمن مسألة انتهاء الوحي.

أُسُسُ الإيمان

الإيمان يتضمّن ويحتوي الإيمان بهذه المسائل التي تجتمع في سبعِ موادٍّ:

1- الإيمان بالله

2- وملائكته

3- وكُتُبه المقدّسة

4- وأنبيائه

5- والآخرة

6- وأن الخير والشر من الله

7- والبعث يوم القيامة.

مصطلح الإله في الإسلام

"الوحدة" هي روحُ مفهومِ الموجود المقدس في الإسلام. ووحدة الذات الإلهية هذه مطلقةٌ لا تقبل الاشتراك مع أي معنى من معاني التنوع والكثرة. فالمسلمون يرفضون بشدّة التعدّد في الألوهية ومشاركة أيّ موجود في العالم لله في هذا الأمر. الله الذي يؤمن به المسلمون ليس إلهاً خاصّا بقومٍ معيّنين؛ فهو ربّ الأكوان والعوالم.

القرآنُ يصفُهُ (الله) ويُصوِّرُهُ بشكلٍ في أفضل في الآيات. فأجمل وأكمل الصفات صفاتُه هو، غير أن صفة الرحمة تأتي قبل جميع صفاته الأخرى. واسما الرحمن والرحيم موجودان عند بداية كلّ سورة من سور القرآن. يقول تعالى: " ... وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ..."[15].

سأقتبس هنا بعض آيات القرآن التي ستُمكّن القارئ من تقييم قناعات المسلمين النزيهة حول الله:

" اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ"[16].

" هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)"[17].

هو الإله السميع المُنجي من كلّ ألمٍ، كثير الصفح، الكريم، العفوّ، القريب من خلقه، محبّ الخير، غير مريد للشرّ، سيحاسب جميع خلقه على أفعالهم.

كلمة "الله" –التي ترِد في القرآن كاسمٍ خاصّ بالإله- أكثر كلمة معقولة وموفّقة من بين الكلمات المستخدمة في جميع اللغات للدلالة على مفهوم الإله. والتعبير الذي يقابل في اللغات الأخرى كلمة God في الأنجليزية يُطلق على كلِّ شيء يُعبدُ، في حين أن كلمة "الله" لم تُستخدم في الأدب العربي بهذا الشكل في أيّ عصر من العصور. وحتّى لمّا كان العرب قبل قدوم محمّد وثنيّين ويعبدون مئات الأصنام لم يستخدموا لفظ "الله" كاسمٍ لأيٍّ من تلك الأصنام.

الملائكة

المسلمون أيضا وعلى غرار المنتسبين لبعض الأديان الأخرى يُقِرّون بوجود الملائكة، غير أنهم لا يعبدونهم ولا يخاطبونهم في أدعيتهم وعباداتهم.

بعض الملائكة لديهم مهامّ ضِمن عمليّة سير نظام الكائنات الماديّة المحسوسة. فالكائنات التي تتصرّف على مقتضيات أوصافها بكمالٍ وبلا خطأ وكأنّها صاحبة ذكاءٍ على الرغم من أنها بلا أرواح، تلعبُ الملائكة فيها دورا شبيها بدور الروح في البدن. وهي (الكائنات) لا تُبدي أيّ إهمال أو فشل –إذا تحقّقت الشروط المناسبة- في إبراز خصائصها الموجودة في طبائعها. وكلّ شيءٍ بروحٍ كان أو بلا روحٍ يبدوا مُتّبِعًا لسيرٍ معيّن أودعه الحقّ تعالى فيه من أجل تكامله. في طريق التكامل هذا تبدوا موجودات الطبيعة عديمة الروح والصامتة أكثر طاعةً ولِينًا منَّا نحن المخلوقات صاحبة العقل والذكاء. وما مُوافَقةً عديماتُ الأرواح للنظام إلّا نتيجةٌ لتصرّف الملائكة التي تلعب دورًا مثل الروح أو الذكاء في ظواهر الطبيعة المختلفة.

كما أن الملائكة تقوم ببعض المهام في الساحتين المعنوية والروحية أيضا. فهي تقود إلى الأشياء الخيّرة وتُشجّع عليها، وتُنزِل الوحي والأخبار من الله إلى العباد، وتحمي الأشخاص المُتكاملين السائرين في الطريق المستقيم وترشدهم للخير وتحميهم من الشرور. وعندما تصلُ النفس إلى مرتبة الكمال وتتجرّد من جميع الكِبر الشخصي والنفسيّ فإن الملائكة تصبح خَدَمَها الذين يُلبُّون كلّ احتياجاتها.

الكُتب المقدّسة والأنبياء

يؤمن المسلمون أيضا –مثل أتباع بقية الأديان- بأنّ الوحي الإلهي نزَل على أشخاصٍ معيّنين ومُختارين لكي يهدي الإنسانية. ولكن هناك فرقا عظيما، فالمسلمون يؤمنون بجميع الأنبياء المبعوثين وخاتمهم محمّد صلى الله عليه وسلم دون استثناء أيّ أحدٍ منهم. وقد بيّنتُ هذا الوجه من إيمان الإسلام في الصفحات السابقة بشكلٍ موسّع.

الآخرة

بالرغم من أن جميع الأديان تحدّثت عن وجود حياةٍ جديدة بعد الموت، إلا أنّ أحدا لم يحاول وضعَ مؤلَّفٍ مُقنعٍ وَوَافٍ من أجل فكّ أسرار الآخرة. أما كتابنا المقدّس القرآن فقد بيّن هذه الحقيقة، حيث أنّ الوضع بعد الموت هو عكسُ وضعنا الروحيّ في هذه الحياة. هُنا، أفعال المرء واعتقاداته الحسنة والسيّئة مخبّأة داخله ولا يمكن إدراكُها، أما في الحياة القادمة في العالم الآخر فإنها ستكون ظاهرة وبراقة مثل ضوء النهار. نحنُ هُنا موجوداتٌ سرّية مُخبّأةٌ بالنسبة للآخرين. أما هناك فإن جمالنا الداخلي أو فساد ذهنيتنا سيتحوّل إلى جمالٍ أو قُبحٍ مكشوفٍ باعث على الفرح أو الألم. وبذلك فإننا سنبقى عُرضة للمحاسبة هناك بسبب أفعالنا الحسنة أو السيئة في الدّنيا.

وحسب ما ذُكِر في القرآن فإن الجنّة ستكون إقامة الصالحين وجهنّم إقامة المذنبين. وبالرغم من أنّ القرآن يُسمّي نِعَم الآخرة بجُملة من الأسماء الماديّة –حتّى يحصُلَ تصوُّرٌ حول الأشياء التي هناك- إلا أنّه يقول في آيةٍ أخرى: " فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"[18]. وقد فسّر النبيّ هذه الآية كالتالي: " فيها ما لا عيْنٌ رأَت ولا أذُن سَمِعت ولا خطَر على قلب بشر..."

يجب على الذين يتفوهون بتُرّهاتٍ حول مفهوم المسلمين للجنّة أن يقفوا طويلا عند هذا الوصف وأن يفكروا بإنصافٍ. فهذه الآيات تُكذّبُ ما يقوله بعض المُبشّرين المُغرضين حول الجنّة وجهنّم عند المسلمين. " يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم ..."[19]، هذه الآية تُبيّن أنّ نور الإيمان الذي يهدي الصالحين والصالحات في هذه الحياة الدنيا والذي لا يُدرَكُ إلا بالعين المعنوية وبالبصيرة سيأتي في الآخرة على شكل نورٍ واضحٍ يمشي أمامهم عندما يُبعثون من جديد. كما أننا عندما نقوم بأفعال خيّرة في هذه الدنيا نُحِسّ بالسعادة، وعندما نرتكب أفعالا سيئة نُحِسّ بالكدر. لكن كلّ ذلك يجري في الذّهن والإدراك. أمّا في الحياة الآخرة فإنّ هذه الوقائع الذهنيّة ستتحوّل إلى حقائق ماديّةٍ ظاهرة للجميع. ومن خلال الوضعية الحالية التي عليها أذهاننا لا تكفي قوّتُنا لتخيّل وإدراك الشكل الذي ستكون عليه سعادتنا أو سيكون عليه كدرنا. غير أنّ إيماننا وأفعالنا في هذه الحياة ستُشكّل بالتأكيد الأساسات السليمة لما سيكون في المستقبل.

إن الحياة التي بعد الموت -من حيث الماهية- هي مواصلة لحياتنا هذه إلى جانب كونها جديدة. والموت بالنسبة للإسلام ليس زوالا أو فناءً مطلقا. (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ[20]). الموت هو حدث يشبه لحظة الانقطاع والفصل التي تحصُلُ أثناء انتقال كلّ شيءٍ نامٍ وكلّ موجودٍ متطوِّرٍ –مثلما هو مُشاهدٌ دائما- من مرحلة إلى مرحلة. فما كان بين سلسلتين ينفصلُ دائما بقدرٍ من الانقطاع والتوقف، حيث تتوقف الحركة لبُرهة. والمرحلة الفاصلة بين الدنيا والآخرة تُسمّى في اللاهوت الإسلامي بالبرزخ. وهذه المرحلة تبدأ بشكلٍ عام مع الحدث المسمّى بالموت وتنتهي مع الحدث المسمى بالبعث بعد الموت. إنّ ما قلتُه قبل قليل حول الجنّة التي نؤمن بها نحن المسلمون هو أمرٌ واقع وقابل للتطبيق حول ماهية جهنّم أيضا. فهي مكانٌ للتحلّل من الذنوب قليلة كانت أو كثيرة، وهي ليست إقامة لا نهائيّة. إنها تطهّر معنوي أكثر منها شيئا آخر، ومحطّة مؤقّتة تؤدّي إلى التكامل. فالإسلام يؤمن بحياةٍ دائمة ولا نهائيّة التكامل. هذه الحياة تحتوي على مراحل تطوّرٍ مختلفة، وإقامتُنا فوق الأرض واحدة من تلك المراحل. فلكي نصل إلى نُضجٍ كامل، تقوم كلّ مرحلة بتجهيزنا للمرحلة التي تليها. غير أننا إذا لم نتحلّى بالأوصاف الجيّدة المطلوبة من أجل الارتقاء الروحي المعهود فإنّنا سنُمنى بالفشل في هذا الأمر وببعض المُعاملات الأليمة والمُضنية من أجل إزالة بعض التأثيرات السيئة التي في دواخلنا. وحياةُ الكربِ الشديد هذه سُمِّيت في القرآن باسم "جهنم". كما أنّ تطوّرنا سيتواصل إلى حسن الوصول إلى الوجود الإلهي والفناء فيه كما تلتقي القطر بالبحر.

الخير والشّرّ

إنّ مسألة منشأ الشّر مسألة يصعُبُ حلُّها. ولو لم يأتي الإسلام لبقيت سرّا غامضا. فنحن لا نؤمن بأن للشرّ وجودا مستقلا. وكلّ ما كان صادرا عن أساس الخير لا بدّ أن يكون جيّدا، وهو بالفعل جيّد، هكذا يقول القرآن. غير أنّه (الخير) يظهرُ عندما نتصرّفُ وفق شروط الخيريّة التي فيه. فالأفيون مثلا أو أيّ سُمٍّ آخر، إذا استخدمناه بمقادير معيّنة وضمن دائرة شروط محدّدة وبناءً على أسبابٍ محدّدة فإنّه سيعطي فائدةً بوصفه علاجا. لقد وُجِدَ كلّ شيءٍ من أجل مقصدٍ جيّدٍ وكلُّ شيءٍ لديه مكانٌ يُستعمَل فيه. لكن إذا تجاوزتُم الحدّ فإنّه سيتحول إلى شرّ. باختصارٍ، محلُّ البحث هو أنّ لكل شيء حسن استعمال وسوء استعمال: كلّ شيء إذا استُخدِم بما يتوافق مع غايته المخصوصة التي خُلق لأجلها أظهَرَ خيرًا، وإذا أُسيءَ استعمالُه أظهَر شرّا. والوحي الإلهي والأعمال العلمية يُبيّنان لنا المكان والطريقة المُثلى الحقيقية لكلّ شيء. فإذا تصرّفنا بما يتعارض مع هذه المعلومات فإننا نكون قد ارتكبنا شرّا. وبذلك فإنّ كلّ شيءٍ هو خيرٌ إذا كان بمقداره المحدّد الأصلي، وهو شرٌّ إذا كان بمقادير أخرى. والمقادير المحدّدة لا تتغير ولا تتبدل لأنّ الله خالق كلّ شيء هو الذي نظّمها. والإيمان بأنّ الخير والشرّ عائدان إلى الله هكذا هو ركنٌ من أساسات الإسلام. إذا أردنا التعبير بعبارة أخرى فإنّ معتقدنا حول نظرية السببية يتوافق مع هذه الأساسات وهو مفيدٌ من حيث حماية نظام الأخلاق. فإذا آمنّا بقوّةٍ بأنّ الخير والشرّ هما قطعًا ثمرة الأحوال والأفعال التي ستقع لنا، فلا يمكن أن نسير في طريق الشرّ. نحن نتناول السُّمّ بالمقادير الموصى بها بوصفه علاجا، لأننا نعرف تأثيره المُميت. ولو أن كلّ العالم آمن بقوّةٍ كذلك بأنّ سوء استعمال الموجودات يؤدّي إلى نتائج كارثيّةٍ لما وُجِد الشّرُّ منذ زمن بعيد.

هذا الأساس الذي يصدُقُ في المجال المادي يصدُقُ أيضا في المجالين الأخلاقي والحسّي. فكلُّ إحساس داخلنا لديه مجال استخدامٍ محدّد. إذا ظهَرَت هذه الأحاسيس نتيجةً لأسبابٍ خاصة بها تحصُل فضيلةٌ وأخلاق عالية، أما إذا أخذت منّا أحاسيسنا الجيّدة أيضا –في الوضعيات التي لا يُمكن السيطرة عليها- فسيحصُل الشرّ والذنب. والشخصّ إذا ما اتبع أهواء نفسه دَخَلَ في دائرة المحرمات. غير أنّ تلك الأهواء والرغبات لديها في الأصل مجال استعمال مَرْضيّ. لذلك فنحن المسلمون لا نؤمن بالذنب الجِبِلّيّ الموجود فطرةً؛ بل بالعكس نقول بأن سوء استعمال المخلوق للفطرة ذنبٌ.

البعث من جديد

لا أرى ضرورة لتكرار الحديث عمّا قلتُه عند الحديث عن الآخرة. وقد سبق أن تحدّثتُ أيضا عن البرزخ الذي يمثّل مرحلة العبور وتوقّف عمل العنصر الأصلي النّامي الذي فينا. هذه المرحلة أيضا ستنتهي بعد زمنٍ وسيبدأ تطوّرها في عالمٍ أعلى.

إذا كانت الروح أثناء مفارقتها للبدن قد اكتسبت النُّضج الذي يتطلبه هذا التجديد فإنها ستُقبَلُ في تلك المرتبة العالية التي سُمِّيت في القرآن باسم الجنة. وإذا لم تكُن قد وصلت إلى هذا الكمال بسبب بعض اللوثات والأوساخ؛ إذا لك تكُن نقيّة وخالصةً من الخَبَث الدّنيوي فإنها ستُرمى في جهنّم لكي تتطهّر من ذلك. الزمن الذي ستقعُ فيه هذه الأحداث يُسمّى في اللاهوت الإسلامي بـ "زمن البعث بعد الموت".

من المؤكّد أن تعبير "البعث من جديد" لا يعني أنّ الجسد سيُبعث بمادّته الأولى. فالحياة القادمة لا يُمكن تصوّرها كما قال النبي، وبما أن لها وصفا لا يمكن إدراكُه فإن المعنى الحقيقي للكلمة يمكن أن لا يكون إحياءً حسِّيّا.

جهنّم التي يؤمن بها المسلمون لا تنافي العقول ولا تعكس فكرة الانتقام الإلهي. بل إنها تُعتبر رحمة إلهيّة. لأنها ستُنظّف الذنوب وتُجهّز المجرمين وتُحوّلهم إلى حالٍ يُقبلون معها في الجنّة. ويمكن النظر إليها على أنها تتصرّف كأُمٍّ مشفقة ترضى بأن يخضع ولدُها لعمليّة جراحية من أجل صحّته وسلامته في المستقبل. وربّما لهذا السبب أعطى القرآن لجهنّمَ هذه الصفة؛ " وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)"[21].

أركان الإسلام الخمسة

يسعى الإسلام –كما أشرنا سابقا- إلى الإذعان للأحكام والإرادة الإلهية. وتسليمنا لإرادته لا يعني أن الإنسان لا يملك أمام القدر والمُقدّرات أيّ حريّة أو حقّ اختيارٍ كما يزعُم بعض الكُتّاب عن قصدٍ أو عن غير قصد. بل بالعكس، فالإسلام يُمكّن العبد من استعمال حريّة الفعل والإرادة الجزئيّة كما يشاء. وهناك دوما طريقان مفتوحان أمامنا: طريق الخير وطريق الشر. غير أن الله تعالى بيّنَ لنا وأوصانا بطريق الخير الصحيح. وعليه فالإسلام هو قبولنا بهذا الإرشاد وتسليمنا له. فكم هو خاطئ وصمُنا بالقدريّة بالرغم من امتلاكنا لحقّ القبول والرفض وبالرغم من حريّة الاختيار هذه.

إن آيات القرآن الكريم ترُدُّ بشكلٍ مباشر هذه القدريّة الجبريّة وتؤكّد على أن الإنسان حرٌّ في اختياره لطريقة تصرُّفه:

" أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)"[22].

لقد جاء وحي الله لإرشادنا والإسلام ليس سوى انقيادنا لذلك الوحي طواعيةً. وقد أوصانا الله بالأعمال التالية المُسمّاة بأركان الإسلام الخمسة حتّى يُنشأ داخلنا روح التسليم:

1- التعبير عن الإيمان: التشهّد.

2- الصلاة

3- الصوم

4- الزكاة

5- الحجّ.

التشهّد

إن دستور الإيمان في الإسلام بسيط إلى أبعد الحدود، فقد وُضِع في جملتين صغيرتين: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

إذا تحقَّقَ إيمانُنا وتسليمُنا للإرادة الإلهية من خلال العبارة الوجيزة "لا إله إلا الله" وحتّى إذا اكتمل (ذلك الإيمان) فإنّ ذلك يوجِبُ أنَّ إرادتهُ وأوامرهُ قد أُرسِلتْ وأوحِيت إلينا بأيّ شكل من الأشكال. ومن المؤكّد أنّ هذا الوحي الضروريُّ الواجب هو التبليغ الذي أُوصِل إلينا بواسطة محمد صلى الله عليه وسلم. وجُملة "محمد رسول الله" التي تُمثّل القسم الثاني من الشهادة لا تعني أننا نعبد محمدا ونضعُه في مرتبة الإله، وإنما تُظهِرُ بأننا قد نذرنا أنفسنا لإرادة وأوامر رب العالمين التي عُلِّمناها بواسطة رسوله محمّد صلى الله عليه وسلم.

الصلاة

إن تكليفنا ببعض الوظائف تُجاه كلّ من الخالق والمخلوقين مبدآن أساسيان في جميع أديان الدنيا. والصلاة في الإسلام هي بمثابة مُلخَّص وفهرس الأعمال التي تدخل في المبدأ الأول (الوظائف تجاه الخالق). كما أنها ليست مجرّد مراسِم وطقوسٍ ولا مجرّد تكرارٍ لبعض الكلمات والأدعية. فقد شدّد القرآن في تقبيح هذا النوع من الصلاة فقال: "فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)"[23].

"لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ ..."[24].

يقول الدكتور ويري (Dr. Wherry) الذي ألّف شرحا للقرآن في كتابه بأن: "هذه الآية هي إحدى أكثر الآيات أصالة في القرآن". حيث فرّقتْ بشكل واضح بين عملٍ هو عبارة عن قالبٍ وشكلٍ فقط، وبين تديُّنٍ تطبيقيّ صميميّ. كما أكَّدتْ بوضوحٍ على أنّ الإيمان بالله والإحسان للخلق هما روح الدين. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا". كلّ هذه الأدلّة تُظهر مفهوم المسلمين حول الصلاة والعبادة. فالصلاة تجمعُ بين العبد وخالقه وهي على حد عبارة النبي صلى الله عليه وسلم "صلة بين العبد وربه". والعابد أثناء الصلاة يستحضر الأوصاف التي تُبيّنُ أن الله يقود ويُدير جميع الكائنات. وبما أن جميع الأخلاق والفضائل في الإسلام يمكن لها أن تجعل من أفعالنا وأحوالنا موافقة للصفات الإلهية فإنّنا أُمِرنا بالصلاة حتى نتذكّر تلك الصفات باستمرار. ونحنُ عند البدء في الصلاة نذكُر صفات الله المُعيّنة. "ادعوهُ بالصّفات الإلهية" هي كلمة السّرّ لدينا، والصلاة هي أعلى وأكملُ عبادةٍ من أجل ذكر الله وذكر صفاته.

في صلاتنا وفي جميع أعمالنا نطلُبُ منهُ هو (الله) العون كي لا نحيد عن الطريق المستقيم والقويم. وما دمنا محتاجين إلى الإرشاد والتوجيه الإلهي في كلّ خطواتنا وفي كلّ لحظة من حياتنا فيجب أن لا تُعتبر عبادتنا لله بضع مرّات في اليوم شيئا كثيرا. نحن نصلّي عند استيقاظنا من النوم وعند خلودِنا إليه؛ ونُصلّي أيضا عند انتهائنا من جزءٍ من أجزاء حياتنا اليومية وقبل تلبيتنا لحاجة بطوننا. على إثر ذلك تأتي صلاة العصر التي تختمُ أعمال الوقت الممتدّ من بعد الظهر. فقد تحققّت في الإسلام كلمات عيسى عليه السلام التي مفادها: "... ذلك الشخص لن يعيش على الخبز فقط فكل كلمة تخرج من فم الربّ غذاء له...". والمسلم يهتمّ بغذاء روحه قبل غذاء جسده. فحاجة الروح للصلاة والعبادة من أجل العيش هي بقدر الحاجة للأكل من أجل سير وجودنا المادي الحسيّ.

الوضوء

النظافة في الإسلام هي تكليف مثل غيره يأتي بعد التديّن والتقوى، لكنها اعتيادٌ وتطبيق أكثر منها شيئا آخر. فالمسلم يجب عليه أن يتطهّر قبل دخوله في الصلاة. عليه أن يغسل أوّلا يديه إلى معصميه، ثمّ وجهه وذراعيه وقدميه. وعليه تنظيف أسنانه ومضمضة فمه واستنشاق الماء بأنفه ونثرُه لنظيف ما بداخله ليتنفس بشكل مريح. وفي كلّ المساجد الموجودة في البلدان الإسلامية هناك أماكن مخصّصة للطهارة مجانيّة ومفتوحة أمام كلّ عابدٍ.

أيضا، يجب على كلّ مسلمٍ أن يغسل كامل جسده مرّة في الأسبوع على الأقل كأن يغتسل يوم الجمعة مثلا قبل الذهاب للصلاة بناءً على التوصية الواردة بذلك. كما يُندبُ بشدّةٍ أن يغيّر ملابسه وأن يتطيّب بالروائح العطرة حتّى يُنعش هواء المسجد.

كلّ هذه الأمور ضرورية جدّا في البلدان الحارّة والباردة على السواء. فهل ياترى خبراء الصّحّة الأوروبيين قادرون على تقديم طريقة للنظافة أفضل ممّا أمرنا به محمد صلى الله عليه وسلم؟

الصوم

إن حياة التقشف والتقلّل تقوّي صحّتنا الماديّة والأخلاقية والروحية، وأهمّ وسيلة في هذا المضمار هي الصوم الذي يُوجد ويُعتمدُ في كلّ دين. والصوم في الإسلام لا يعني الابتعاد عن الأكل فقط بل عن كلّ نوع من أنواع السوء أيضا. فغاية الصوم هي الرّقي بالأخلاق؛ حيث يقول تعالى في القرآن: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"[25].

أثناء الصوم نبتعدُ أيضا عن بعض الأمور المشروعة التي ليست بمعصية. وهكذا نتمكن من التنازل بسهولة أكبر عن الأشياء السيئة والمحرّمة من خلال ابتعادنا وتجنّبنا للأشياء التي هي حقّ لنا وسمحت بها الشريعة. فالشخص الذي يمكنه تجنّب الأشياء التي شُرعت لنا من المحتمل جدّا أنه لن يسعى إلى امتلاك الأشياء التي ليست له.

يقول نبيّنا الكريم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).

في شهر الصوم كان كرمُ النبي صلى الله عليه وسلم –الذي يعرفه الجميع- في الصدقة وبذل الخير يتضاعف؛ فبما أن المعنى الحقيقي للانقطاع عن الطعام والشراب هو التنازل عنهما لصالح المحتاجين فقد حقّقَ أثناء صيامه هذا المبدأ من خلال مضاعفة الكرم.

يا له من عارٍ إلغاء جميع عبادات المسيحية المقدّسة وأصولها وأحكامها بما فيها الصّوم من خلال التغييرات والتحريفات التي تمثّلت في مؤلَّف الظلم الكبير الذي وضعهُ بولس باسم عيسى عليه السلام. فبما أن عيسى هو أحسن نموذج للامتثال بالنسبة للمسيحيين وبما أنه كان يُكثر من الصوم كما رُوِي عنه، فلماذا لا يتصرّف المقتفون لأثره مثله حتى يكونوا مسيحيين جيّدين؟ إذا كان هو قد قام بكلّ أنواع الفضائل والخير من أجل كلّ العالم وجعل الناس في حلٍّ من التكاليف الدينية بما فيها الصوم، أفلا يوجب ذلك إعفاءنا من جميع الأعمال والمسؤوليات الإنسانية الأخرى كنتيجة منطقية وطبيعية لذلك الأمر؟

إن الناس في هذه الأيام مهتمون كثيرا بأبحاث علم الروح وبإظهار القوى الداخلية الكامنة فيهم من خلال التدقيق والتحليل. ومن خلال استخدام مؤسسة الصوم والرياضة يمكنهم تحقيق تطور كبير جدا. لقد كان عيسى عليه السلام يصومُ دائما الأيام الأربعة التي تسبقُ تنوُّرهُ ورُقيّه الروحيّ الكبير. ولا يجب أن ننسى أيضا أنّ نبيّ الإسلام العظيم محمد صلى الله عليه وسلم على إثر مداومته التي امتدت لأشهُرٍ عُرِضَ لهُ ذلك الوحي العظيم الذي جاء بالقرآنِ كتابِ التنوير والهداية الحقيقية للبشريّة في جميع المجالات.

الزكاة

كلّ دينٍ وكلّ نظام أخلاقٍ يوصي بالصدقة والخير. غير أن الإسلام نظّم هذا الأمر بشكلٍ عمليّ وقابل للتطبيق. فقد أوجب على كلّ مسلمٍ أن ينفق ربع العشر من مداخيله لصالح الفقراء. والزكاة في الإسلام هي "ضريبة للفقراء" تجمعها الدولة بشكل إلزامي من المسلمين الذين يبلغ دخلهم حدّا معيّنا، إلى جانب كونها طريقة مُوصى بها للإحسان ولفعل الخير من خلال المال. فعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة قال: "الزكاة مؤسسة إثراء الفُقراء بعطايا الأغنياء" (الترجمة حرفية للنص التركي ولم أجد تخريجا للحديث المقصود في النص)

يمكن للمسلم أن يُظهر أشكال الكرم التي يميل إليها بأي شكل من الأشكال شاء. غير أنه مُلزمٌ قطعا بإخراج ربع العشر من دخله للدولة كي تُمنح للفقراء.

كما أن مفهوم الصدقة والخير في الإسلام واسع جدّا، ولكي يتمكن القارئ من استيعاب شمول المسألة سأُعرض بعض الكلمات النبوية حول الموضوع:

الصدقة

"الصدقة تدفع البلاء المُحتمل"

الزكاة "تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم"

"تبسمك في وجه أخيك صدقة"

"حسن معاملة الرجل زوجته وحتى اللقمة يضعها في فمها صدقة"

"التعامل مع الصغار بشفقة وتقبيلهم بحُبٍّ هو نوع من أنواع الصدقة"

"إطعام المُسافر صدقة"

" ... وتُميط الأذى عن الطريق صدقة "

"الاهتمام بالجيران وإهداؤهُم أيضا من أنواع الصدقة"

" أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا يوم الجزاء والثواب على كلّ شيء"

"تجب إعانة الفقراء"

((([الجُمل السابقة تُعبّر عن معاني بعض الأحاديث ولا تنقلها بألفاظها. أقترح استبدالها بنصوص الأحاديث كما وردت في كتب الحديث بدلا من ترجمة المعنى من النص التركي ما دام الكلام منسوبا للنبي صلى الله عليه وسلم])))

النيّة

"هل تُحبُّ خالقك؟ إذا فلتُحبَّ خلقه"

"من لا يرحم لا يُرحم"

"لا يدخل الجنّة دار السعادة إلا أصحاب القلوب اللّينة الصافية الصادقة. ومن لا يرحم الخلق ولا يرحم أولاده لا يرحمه الله"

" أنا وكافل اليتيم سنكون معا يوم القيامة"

"ارعوا الأرامل واحموهُنّ"

"أعينوا الفقراء"

"من أعمال الخير إطعامُ عابر السبيل"

"ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويُوقّر كبيرنا"

"من يُفرّج على المهموم ويُخفّف كدر المُصاب له أجرٌ قطعا"

"من فرج عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة"

"من أكثر الناس تعرّضا لعفو الله؟ إنه من كان أكثر الناس نفعا للناس ومن كان محسنا للفقير. هؤلاء الناس يُحسن الله إليهم في الدنيا والآخرة"

"اطلبوا مرضاتي في مرضاة الفقير والمسكين"

" اتقوا النار ولو بشق تمرة" ، لا يدخل الجنّة دار السعادة إلا أصحاب القلوب اللّينة الصافية الصادقة "

" ... يا عائشة لا تردي المسكين ولو بشق تمرة... "

(أقترح استبدال هذه المعاني أيضا بنصوص الأحاديث حتى لا يُتَوَهَّم أن المعاني المذكورة هي أحاديث باللفظ)

الحج

هذا الفرض خاصّ فقط بمن تُطيقه قوّته.

يمكن أن يتحقق الرقيّ الروحي الحقيقي من خلال الانسلاخ من العلاقات الدنيوية بشكل مطلق. وفرضُ الحجّ في الإسلام وُضِع لكي يُثبت ويُبيّن بشكل عملي تطبيقي كيفية القيام بذلك. ولا يكتفي الحاجّ بترك بيته والأشياء التي يحبّها والقريبة منه، بل إنّه عند اقترابه من بيت الله يتجرد من كلّ شيء سوى غطاءين يستران جسده.

وعند الوصول إلى المحلّ المقدّس في مكّة يطوف حول الكعبة بيت الله تعالى المقدّس كما يطوف عاشقٌ حقيقيّ مخلصٌ حول بيت حبيبه. ذلك المسجد الحرام الذي بُنِيَ لكي يُعبد الله فيه هو أقدم بيتٍ عرفه الناس. فقد كان موجودا قبل عصر إبراهيم عليه السلام.

في العصر الذي شرّف النبي صلى الله عليه وسلم فيه الدنيا كان هذا المسجد لا يزال مكانا لعبادة الأوثان. حيث كان فيه 365 صنما يُعبدُ كلّ واحد منها في يوم محدّد من أيام السنة. هذه الوثنية استمرّت إلى حين فتح محمد صلى الله عليه وسلم لمكّة وأخذه لها من المشركين. حينها طُهِّر بيت الله من الأصنام.

يقع قبر محمد صلى الله عليه وسلم اليوم في المدينة التي تبعد 150 ميلا شمال مكّة. وعلى إثر مكّة، تأتي القدس بوصفها بلدة مقدّسة. والمسلم يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم بسبب حبّه له واحترامه العميق له، وليس أبدا من أجل عبادته.

المساواة والأخوة

إنّ قاعدة "أحبَّ جارك كما تحب نفسك" هي وصيّة جميلة من عيسى عليه السلام. لكنها مثل كثير من الأوامر الأخرى تفتقد للوسائل التي تجعلُها عمليّة وقابلة للتطبيق. لأنّ مرحلة نبوّته كانت قصيرة جدا ولم يتمكن من إتمام مهمّته. ومن الطبيعي جدّا أنه كان سيترُكُ وظيفة تبليغ وتعليم الحقائق الإلهية بشكل كامل "للأستاذ" الذي سيأتي بعده. حيث أنّ "روح الحقيقة" (باليونانية بارقليط)[26] الذي ذُكِر في الإنجيل هو محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي بيّن للعالم طريقة تطبيق كثير من تعاليم ومواعظ عيسى عليه السلام وأوصل دين الله إلى الكمال.

لا يُمكن لأحد أن يُحبّ جاره كما يُحبّ نفسه ما دام لا يؤمن بالمساواة بينه وبينهم. كان نبينا الكريم يقول: " إنما أنا بشر مثلكم". وهكذا أسَّسَ لمبدأ المساواة بين الناس من خلال وضعه لنفسه في ذات الموقع مع بقية الناس.

إنّ مقولة "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" هي آية من القرآن. وكلمة "أخ" الواردة في النص العربي (مثلما في اللغة التركية) هي نفسها الكلمة التي تُطلق على من وُلد من نفس الأب والأم. وبالتالي فإن مقولة عيسى عليه السلام "أحبَّ جارك كما تحب نفسك"، تتحوّل في الإسلام إلى حقيقة وحُكمٍ ملموس. فإذا اعتبر المُسلمُ أنّ المُسلِمَ بمثابة أخ له من أبيه وأمّه فمن المؤكّد أنه سيُحسّ بنفس أحاسيسه وسيرغب بنفس رغباته. هكذا إذا وُضِعت الأخوة الإسلامية الكونية في محلّ التطبيق.

بالأمس تناول المسلمون الأنكليز بِووكينغ (إسم مكان ببريطانيا) طعام الغداء مع الأمير عبد الله بالمبنى المُحاذي للمسجد. وقد كان هناك قرابة المائة مدعوٍّ من منتسبي طبقات مختلفة في المجتمع. ولكن لم يُلحظ أيّ تفريق بناء على الطبقة أو الصنف الاجتماعي. لقد كان الجميع يتنفسون روح أخوّة ومساواة في زاوية المبنى. كان بإمكان الجميع أن يُصافح الأمير وأن يتكلّم معه بحريّة. وعند حلول وقت الطعام شوهِد نموذجٌ للمساواة عظيم ومُبهرٌ جدّا لكلِّ زائرٍ أو مُلاحظ. حيث لم يكن هناك أيّ كرسيّ مُعدٍّ سلفا أو قائمة طعامٍ مُعدّةٍ للضيوف المهمّين. فقد تُركت حريّة اختيار أماكن الجلوس للضيوف بما فيهم الأمير ومن معه. وخلال الاجتماع نطق رجُلٌ بالشهادتين وأعلنَ إسلامه. فلم يكتف الأمير بأن يكون أول من صافح أخ الدين الجديد، بل احتضنه وقبّله فقبّله هو بدوره طبعا. هذه هي إذا تمظهُرات روح المساواة القويّة والأصيلة الموجودة بين المسلمين. فالمسلمون وإن كانوا في بيت غيرِهم إلا أن الجو كان يحمل مشاعر الحريّة والراحة أكثر مما تشعر به عائلة أنجليزية وهي في بيتها. لقد كانت حرية الكلام والتحرّك وانفتاح القلوب والبعد عن التكلّف والملل ترسُمُ الخطوط العامة لذلك المشهد. لقد نجح الإسلام في دمج الأبيض والأسود داخل عائلة واحدة.

من المُناسب هُنا أن نذكر بعض تعليمات النبي صلى الله عليه وسلم حول الموضوع. فقد أظهرت الحرب الأخيرة بأن المسيحية تفتقد بشكل كامل لروابط الوحدة والمساواة التي في دين الإسلام. حيث تقارعت الأُمم الأوروبية في ما بينها بالرغم من أن أغلبها صاحبة معتقد واحد. إنّ القوة الجامعة في البلدان المسيحية هي القومية وليست الدين. غير أن الأمر عكس ذلك في الإسلام، فالفكرة الأساسية هي دين الإسلام وليست القومية. حيث يقول نبينا الحبيب: "... المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، أي أنّه لا يتجاوزها.

"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"

" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه "

"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"

"إذا تعرض أخوك في الدين لمصيبة فأعِنه، وإذا حادَ عن الطريق القويم فمُدّ له يدك وأنقِذه"

حتى ننتهي من الموضوع، من الضروري أيضا الحديث قليلا عن حسن الضيافة التي يُبديها المسلمون للأجانب.

غالبا لا توجد فنادق ونُزُل في البلدات والقُرى الإسلامية. فبابُ كلّ مُسلمٍ مفتوح أمام الأجانب على قدر إمكانياته. وصاحب البيت لا يتوانى لحظة في تقاسُم خُبزه مع ضيفه وفي القيام بما يستطيعه من أجل راحته. فاحترام الضيف وخدمتُه فعلٌ كبير القيمة في الإسلام. وحتى في البلدات البدائية البعيدة عن الحضارة الواقعة في حدود الهند حيثُ تقوم حوادث الثأر بين القبائل مقام الحدود، لا يسأل صاحب البيت حتى عن اسم من يطرُق بابه لكي يستفيد من استضافته. لأنّ الضيف قد يكون منتميا إلى قبيلة معادية، وإذا تبيّن ذلك فإنّ هذا الأمر قد يمنعه من خدمته بشكلٍ صادق. يقول النبي صلى الله عليه وسلم حول هذا الأمر:

"... من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"

" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه و مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكُت"

"ليس من الصواب إقامة الضيف في بيتٍ مدّة طويلة إلى أن يُضجِر صاحبه ويُقلقه"

عندما سُئل حبيبنا النبي "يا رسول الله، إذا نزلت ضيفا على أحد ولم يؤدي إليّ حق ضيافتي من إعزاز وإكرام، فهل أعامله بنفس معاملته إذا حلّ ضيفا عليّ؟" قال: "أحسن ضيافته، فإن من سنتي أن يخرج صاحب البيت مع ضيفه عندما يخرج ويشيعه إلى الباب".

خلاصة الأمر أنّ الديمقراطية التي هي أكبر فخر للغرب وُلِدت ابتداءً في الإسلام. حيث أنّ المساواة بين الناس مبدؤها الأساسي وهي تظهر بأعلى مستوياتها في كلّ ميادين الحياة في البلدان الإسلامية. فهُم (المسلمون) يلتقون في المساجد خمس مرات في اليوم، وليس هناك صفوف أو مقاعد خاصّةٍ أُعِدّت لفئة معيّنة من الجماعة. من يدخل أوّلا يحصل على المكان الذي في المقدمة. والديمقراطية الكاملة في الدين والسياسة والمجتمع هي أبرز خاصية من خاصيات الإسلام. لقد قضت قوى الإسلام الفارضة للمساواة على كلّ فوارق الطبقة واللون والعرق وعراقيلها.

المرأة في الإسلام

إن موضوع المساواة بين الناس يبقى ناقصا ما لم يُتطرَّق إلى مسألة وضعية المرأة. فقبل مجيء الإسلام لم يكن للمرأة في العالم كلّه أي اعتبار أو مكانة تقريبا. وعندما جاء القرآن بهذه الحقيقة أُنقِذت المرأة من المرتبة الأدنى وأصبحت تُعتبر مساوية للرجل:

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"[27].

وكم هي بليغة كلمات النبي صلى الله عليه وسلم التي فسر بها هذه الآية:

" إنما النساء شقائق الرجال"

تحت ضوء هذه العبارات، هل من الممكن موافقة الدعاوى الخاطئة للكُتّاب المُغرضين القائلين بأن "المسلمين لا يؤمنون أبدا بأن للمرأة روحا وحقوقا"؟ إنّ آياتٍ كثيرة من القرآن العظيم تُقرّ بالمساواة بين المرأة والرجل في أغلب المجالات وفي المواضيع الأخلاقية والمعنوية والثقافية.

إن موقع ومكانة المرأة في الدول المسيحية اليوم لم ينشأ من المسيحية. فعيسى عليه السلام سكت عن هذا الموضوع. غير أن من المعلوم جيّدا أنّ بولس مؤسس العقيدة المسيحية وكنيستها ليس لديه كلام جيّدٌ يُقال حول المرأة. فالمبدأ الأساسي للمسيحية اعتبَر المرأة سببَ محو الإنسانية وأنزل رُتبتها إلى أسفل درجة. حيث يزعمون أنّها هي من دفعت آدم عليه السلام لارتكاب المعصية، وهي من سلّطت المعصية والمحكومية الأبدية على الناس، وهي من فتحت باب الذنوب، وهي من جلبت الموت للعالم. وبهذا الاعتبار يجب أن لا يُستَغربَ من الكلمات القاسية والخشنة التي قالها أوّل الآباء المحترمين عن المرأة.

بمقولة واحدة قال محمد صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات وجعل منها (المرأة) خالدة ووضَعَ أرقى قاعدةٍ: "الجنة تحت أقدام الأمهات". يا لها من مقارنة مثيرة للاهتمام: فحسب التعاليم المسيحية، قادت الأمّ الأولى البيزنطيين إلى جهنّم الأبدية، أما في الإسلام فإن الأمَّ فتحت لنا أبواب الجنّة.

في السنوات الأخيرة وقعت حربٌ بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى بين الرجال والنساء حول حقوق وواجبات كلّ طرف منهما. ولكن هل تمكّن منتسبو حركة سوفرجت من تحقيق مكاسب للمرأة تضاهي تلك الموجودة في القرآن أصلا؟ يقول القرآن: "... وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ..."[28]. بناءً على هذا الحكم، لا يمكن لشخصٍ أن يطلب من الجنس الآخر أن يفي بوظيفة أو واجبٍ ما لم يكُن هو نفسه مستعدّا للقيام بمثلها لصالحه. وللمرأة في الإسلام شخصية مستقلة، حيث يمكن لها أن تدخُل أيّ عملٍ وأن تُبرِم باسمها عقودا وصفقات. كما أن لها الحق في الميراث دائما أُمًّا كانت أو بنتا أو زوجة أو أختا، وهو أمر لم يُرى في أيّ دين أو حضارة أو نظامٍ قانونيّ آخر.

إن البيت الغربيّ ليس عُشًّا يُعجب المرأة. فالزواج مسألة صدفة. وانتشار الآلام الناتجة عن العشق وسائر العواطف؛ النساء المهجورات اللائي أُهمِلنَ، كثرة البنات والأطفال، الآباء والأمهات الفقراء الذين تُركوا بلا عناية... هي خصائصُ عامّة لحياتنا العائلية نحن الأوروبيون. أما بالنسبة للعائلة المسلمة فهي تفتح لنا أبواب حياة مختلفة تماما. ولا يوجد على وجه الأرض مكان سوى البلدان الإسلامية يظهر فيه الدين أكثر ويُطاع فيه المُعلّم الكبير بشكل أكبر. والقارئ إذا نقَلَ كلمات النبي صلى الله عليه وسلم التالية من الخيال إلى الممارسة سيتمكّن من تمثُّل وضعية السعادة للبيت المسلم.

حول النساء

"خيركم خيركم لأهله"، "النساء شقائق الرجال"، "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة".

"إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت".

حول الزوجات

"أثمن كنز للرجل زوجة متدينة خلوقة. انصحوا زوجاتكم وعِظُوهن بلُطف".

" لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر"

. هل يمكن أن تضربوا زوجاتكم ضرب العبد؟ من المؤكّد أن عليكم أن لا تفعلوا ذلك".

"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".

عندما سأل أحد الصحابة النبيَّ صلى الله عليه وسلّم عن الكيفية التي يجب أن يُعامل بها زوجته قال:

"أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت. عِظها برفق ولا تؤدّب امرأتك الشريفة الأصيلة بضربها كالعبد.

 "ولا تسافر المرأة مسيرة يوم إلا مع ذي محرم"

 (الرجاء مراجعة جميع الأحاديث الواردة في النص)

تعدّد الزوجات

يجب أن لا ننسى هنا بأن تعدّد الزوجات كان موجودا على وجه الأرض قبل الإسلام. فأغلب كبراء بني إسرائيل المحترمين والقدامى كانوا متزوجين من نساء عديدات. وفي بعض الحالات كان عدد الزوجات يقارب الخمس مائة. ومؤسِّسو الأديان الأخرى في العالم أيضا ليسوا استثناءً من هذا. والمسيحية لم تأتي بتغيير في هذا الخصوص. حتى إنّ تعدّد الزوجات كان منتشرا بكثرة في العالم المسيحي إلى حدود القرن السادس عشر. وقد كانت فئة الرهبان والأساقفة أسوء أنواع المُعدّدينَ. وقانون منع التعدّد الموجود في أيامنا ظهر مع المؤسسات التي أنشأها المُشرِّع الروماني الإمبراطور جوستينيانوس المعروف بإلحاده ولا دينيّته.

لقد جاء الإسلام لإصلاح وتعديل نظام تعدّد الزوجات. حيث قُلِّل عدد الزوجات وحُدِّدَ وسُمِح بالزواج من امرأة ثانيةٍ بشروطٍ محدّدة واستثنائية، فلم يعُد بالإمكان القيام بهذا الأمر إلا بشكلٍ مناسب وقابل للتطبيق.

أما بالنسبة للمعاملة التي تُعاملُ بها الزوجات المتعدّدات فقد قدّم القرآن العظيم بعض الشروط المعيّنة حولها. وهو ما جعل من إمكانية الزواج من عدد من النساء أمرا شبه مستحيل.

الإسلام، على خلاف بقية الأديان، يضعُ قانونا وأحكاما في كلّ المواضيع. أما موقفه في مسألة تعدّد الزوجات فهو مانعٌ وحاصرٌ لها. ونحن نسمع كثيرا بأن المسلمين مُعدِّدون على نطاق واسع، غير أن هذه الحالة تُرصدُ حاليا بما نسبته حوالي واحد بالألف.

وليس الزواج من أكثر من امرأة فرضا وضعه الدين. بل وضعهُ من أجل حماية وضعياتٍ في الحياة معيّنة ومعتدلة لا يمكن مداواتها إلا بهذا الشكل. وإذا كان الزواج –بالمعنى الآخر للكلمة- هو إقامة المرأة والرجل في مكان واحد من أجل بعض الغايات الجنسية، فإنّ الأوروبيين مُعدِّدون أكثر من الشرق الذي ينتقدونه.

يمكن أن تطرأ بعض الأحوال الصعبة والضيّقة على حياة الرجل أحيانا فيُضطرّ إلى الزواج ثانيةً من دون الانفصال عن زوجته التي هي معه، فيكون الزواج من امرأة ثانية واجبا لا مفرّ منه. مثلا تصوروا أنّ المرأة عاقر أو تفتقد القدرة على تربية الأولاد، أو أنها تعاني من مرض مزمن، أو أنها عاجزة عن الإيفاء بأي وظيفة من وظائف الزوجية الأخرى؛ حينها يكون الزواج من امرأة ثانية جديرا بالتمنّي أكثر من أي وسيلة من الوسائل التي سيصل إليها ذكاء الإنسان. وإلى حدّ اليوم لم تنجح المجتمعات الإنسانية للأسف في العثور على حلّ آخر مُجدٍ للحدّ من المواليد الناتجة عن الزنا والعلاقات الجنسية غير المشروعة. في حين أن البلدان الإسلامية التي توجد فيها مؤسسة تعدد الزوجات يندُرُ فيها كثيرا هذا النوع من التصرفات. وتعدّد الزوجات هو أحد أنسب الوسائل لحماية الأشخاص الذين يمتلكون نفوسا قويّة ومشاعر فيّاضة بالفطرة من الوقوع في الحرام. كما أن المرأة في الإسلام محميّةٌ ومُصانة الحقوق وتحضى بحماية واحترام جنس الرّجل. لذلك لا يُطلب منها العمل في الأعمال الصعبة والتكسّب من أجل عيشها. فبسبب الفرق البنيوي والجسدي بين الجنسين، حُمِّلت صعوبات الحياة على أكتاف الرجال. يقول كتابنا المقدّس القرآن: "الرجال قوامون على النساء". فيجب على الرجال حمايتهن ورعايتهن.

الحوادث وغيرها من الأحداث في الدنيا تأخذ معها الرجال دائما. لهذا السبب يكون عدد النساء أكثر من الرجال دائما. فالحرب الأخيرة (يقصد الحرب العالمية الأولى) تسببت في القضاء على مليون رجل تقريبا. وبما أنّ مسألة البطالة تتفاقم بشكلٍ كبير فإن النساء العاملات يجب أن يُرغَمن على ترك أماكنهن للرجال الذين لا عمل لهم. هذه الأمور هي من بين الشروط التي تؤدي إلى إمكانية الزواج بأكثر من واحدة. حتى إنّ الآيات المتعلقة بهذا الموضوع في القرآن نزلت في زمن الحرب.

عندما سقط سبعون رجلا من خيرة عساكر الإسلام السبع مائة شهداءَ في ميدان المعركة يوم أُحد، خلّفوا وراءهم نساءً أرامل وأطفالا يتامى. ولم يكن بالإمكان أن يواصلوا العيش بشرف من دون الوقوع في مستنقع السفالة وسوء الأخلاق إلّا من خلال الإقامة تحت سقف مليء بالراحة والشفقة والأمان.

وفي أيامنا أيضا يمكن أن يُقتل الرجال فتبقى زوجاتهم وأطفالهم من ورائهم من دون قيِّمٍ. في هذه الحالة، لا يمكن حمايتهم إلا من خلال القبول بزواج الرجال بأكثر من امرأة خاصّة في بلدان الشرق التي لا ترضى بتحمّل المرأة لأحمال ثقيلة من أجل كسب معيشتها وبدخولها إلى معترك الحياة.

وأغلب زيجاتُ النبي صلى الله عليه وسلم أيضا حصلت بنفس المقاصد والمشاعر. فمن المعلوم لدى الجميع حجم نُضج وحُسن تدبير نبيّنا الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي تزوج في أشدّ مراحل حياته حرارة وعمره 25 سنة من امرأة عمرها 40 عاما في بلادٍ حارّةٍ تهرمُ فيها النساء باكرا بفعل البيئة، ثم بقي وفيًّا لها لمدّة 27 عاما ولم يتزوج من امرأة أخرى إلا على إثر وفاتها لمّا كان عمره 52 سنة. إنّ عمرهُ هذا يُفنِّدُ فعليّا بعض الكُتّاب الغربيين المُغرضين المُفترين الذين يسعون إلى تصوير زواجه من عدّة نساءٍ وهو على مشارف الشيخوخة بأنّه كان بسبب مشاعر نفسية. على إثر وفاة زوجة نبينا المحترم الأولى، تزوج من عائشة ابنة صديقه وصحابيِّه أبي بكر. ثمّ بدأ عصر الجهاد، حيث استشهد العديد من صحابتهِ تاركين وراءهم زوجاتهم –وقد كان أغلبهنّ متقدّمات في السنّ- بلا حماية. فتزوج نبينا صلى الله عليه وسلم من بعضهنّ من أجل المحافظة عليهنّ وتوفير بيت دافئ لهنّ.

ومع ذلك لا يجب أن ننسى هنا أنّ حكم التعدّد في الإسلام مثلما هو في العصور الأولى لا يُعطي شكّا أبيض للشخص حتّى يملأه بما يتفق مع رغباته ومزاجه. أصلا، لا يُسمح بهذا الأمر ما لم يكن هناك ضرورة وحاجة، وإذا حصل ذلك يُعتبر معصية. فشرط التعامل مع النساء بنفس القدر والشكل في ما يخصّ طريقة المعاملة والإطعام واللباس وغيرها يجعل من شبه المستحيل الزواج من امرأة أخرى في الحالات العاديّة. كما أن القرآن استخدم غالبا طريقة تعبيرٍ توصي وتنصح بالزواج من امرأة واحدة. فإذا كان الزواج من امرأة واحدة غذاءً فإن التعدّد ليس سوى علاجٍ لا مفرّ من تناوله بالرغم من كلّ آلامه إذا ما استوجب المرض ذلك.

ومثلما أنّه لا يمكن وقوع أيّ زواج من دون رضى الأطراف المعنيّة بحريّةٍ وبدون ضغوطات، كذلك لا يمكن إكراه أيّ امرأة على الزواج من رجلٍ متزوّج كزوجةٍ ثانية. ويمكن للأعزب أثناء زواجه أن يُسجّل [في العقد] بأنّ بإمكانه الزواج بزوجة ثانية. والزواج في الإسلام إلى جانب قدسيّته هو بمثابة عقدٍ خاصّ. وكما هو الحال في أيّ اتفاقية أو عقدٍ يمكن أن يُنَصَّ فيه على بعض الشروط التي لا تُعارض أحكام الدين والمنطق. فيُمكن مثلا أن يُشترط عند الزواج أنّ الزوج في حالة زواجه من امرأة ثانية تكون الزوجة الأولى في حِلٍّ من جميع المسؤوليات الزوجية وتكون حرّة في القيام بما تريد، وعندها يمكن لتلك المرأة أن تقطع رابطة الزوجيّة إذا أرادت. أو يمكن أن يُشترط دفع الزوج لمبلغ معيّن من المال أو إعطاء نفقة طيلة الحياة في حالة الزواج بثانية إذا دُوِّن ذلك في عقد الزواج. فيمكن للمرأة حينها أن تتزوج من رجل آخر وتستمر مع ذلك في الحصول على المبلغ المنصوص عليه كاملا.

باختصار، تعدّد الزوجات في الإسلام مؤسّسة وُضِعت في الأصل من أجل حماية مصالح الجنس الأضعف وانطلاقا من التفكير في ما يفيده. وربّما سيتمّ التوقف عن تداوله وتطبيقه تلقائيا في العصر الذي تقدر فيه المجتمعات الإنسانية على التطهُّر من جميع الأمراض الأخلاقية. وبالنظر إلى الفقه الإسلامي فإن روح المسألة على نفس الصورة التي بيّنّاها باختصارٍ سابقا.

لا أريد هنا أن أطيل الكلام بالحديث عن أشياء كثيرة حول الطلاق. غير أنّ العالم الغربي فهِم بألمٍ حجم المشقة الكبيرة والظلم الذي تولّده القاعدة المسيحية القاسية التي تؤمن بأنّ الزوج والزوجة الذين جمعهُما الإله لا يمكن لهما أبدا أن يفترقا. والدعاوى التي من قبيل دعوى رذرفورد من المستحيل مجرّد تصوّرها في الإسلام الذي يُعتبر فيه حتى تعكّر المزاج والكدر سببا مشروعا للطلاق. ففضائح دعاوى الطلاق التي في الغرب لا تُعرفُ أبدا في الشرق. إنّ الطلاق مسألة خاصّة، والاتفاقية المتبادلة بين الطرفين تحميهما من التحوّل إلى موضوعٍ للشائعات بين الآخرين ومن الوقوع تحت ألسنة الناس، كما لا تُعكِّرُ صفو الجوّ الضروري لزيجاتهما التي سيؤسّسانها في المستقبل.

إن الطلاق بالرغم من الإمكانات والحريّة المتاحة يندُر حصوله في بلدان المسلمين. وهو أمرٌ يُشعِرُ بمقدار سعادة العلاقات التي تجمع الزوج المسلم بزوجته. نصل إلى ختام الموضوع بذكر مقولات نبينا الجليل: "المرأة حاكمة بيتها" و"أبغض الحلال عند الله الطلاق".

معاملة الأقارب

1- " رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد".

2- " إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم".

3- "من أراد أن يدخل جنّة الفردوس فليسعى في مرضاة أمه وأبيه".

4- جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَل لِي تَوْبَةٌ؟" قَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟" قَالَ: "لَا"، قَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟" قَالَ: "نَعَم"، قَالَ: "فَبِرَّهَا".

5- كان هناك امرأة ربّت حبيبنا النبي صلى الله عليه وسلم في صغره فكان ينتصب واقفا إذا جاءت ويفرش لها فراشا في مجلسها.

6- كان حبيبنا النبي المحترم صلى الله عليه وسلم يخرج لاستقبال ابنته فاطمة عند الباب عندما تأتي من بيت زوجها لزيارته.

7- "يجب على المرء ان يحسن دائما لوالديه وإن ظلموه وآذوه".

8- "يجب أن تكون وظيفة الصغير وموقفه مع من هو أكبر منه مثل معاملة الولد لوالده".

9- " الصدقة على الفقير صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة".

10- "الرحمة واللين علامة الإيمان، لا إيمان لمن لا رحمة عنده".

11- " الراحمون يرحمهم الرحمن".

احترام الحُكّام

الإسلام يعني طاعة الله والانقياد له. وهو (الإسلام) نتيجة لذلك يولي أهمّية خاصّة لطاعة السلطة الموجودة (ولاة الأمر). وبما أنّ عُشَّ العائلة حاضنة تربية حقيقيّة ومصدر أخلاقيّ، فإنّ مبدأ احترام الأبوين وبقيّة الكبار -الذي يُعلَّمُ بجدٍّ ويُطبّق في الإسلام- يُلهمُنا أيضا شعور التصرّف بنفس الشكل مع الأشخاص المكلّفين بإدارة المجتمع ومن هُم في موقع الحُكم. وحسب حديثٍ مرويّ عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال: " اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي". وقد حُرِّم إطلاقا الخروج والعصيان بدون سبب شرعيّ قطعيّ، وذلك من أجل حفظ استقرار الإدارة والدولة. في صلاة الجمعة تُقرأ آياة القرآن التالية منذ زمن محمد صلى الله عليه وسلم:

" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"[29].

إذا كانت طاعة المسلم لأولياء الأمر واجبة فقد بُيِّنَ أيضا أنّ تنبيهه وإعلامه للموظفين وأصحاب القرار عند رؤيته لأخطاء وسوءٍ في الإدارة باحترام هو من الجهاد مقدّس. فالجهاد المقدس لا يكون فقط بالسيف. وكلّ سعيٍ إلى إزالة الأخطاء والشرور يعتبر جهادا. كما أنّ السلطة الأجنبيّة لا تمثّل للمسلمين أيّ عبء ولا تتعارض مع إيمانهم بشرط أن تراعي العدالة والمساواة وأن تتوافق معهما. فالأتباع المسلمون الذين كانوا تحت حكم الإمبراطورية الأنكليزية كانوا أكثر طاعة من جميع منتسبي العرقيات والقوميات الأخرى، ولم تنشأ أحداث الاضطراب الأخيرة إلا بسبب السياسة الخاطئة والعمياء التي انتهجها رجال دولتنا. ولم يكن هناك مفرّ من حصول قناعة بين المسلمين مفادها أنّ هذا النوع من الحكم غير المحترم يتعارض بشكلٍ كامل مع إيمانهم واعتقادهم. لأن الإيمان في نظرهم هو أهمّ مسألة. والدين إلى جانب كونه يأمر المسلم بطاعة من يحكُمُه، يبدأ بتوصيته بترك الطاعة في اللحظة التي لا يُلتزمُ فيها بالمعاهدة القائمة المتعلّقة بحماية المؤسسات الدينية. هذا هو لبّ المسألة.

متى يُستعمل السيف في الإسلام؟

لم تخلوا الدنيا من الحرب في أيّ زمن. حتّى إنّ سيّد الصلح والسلام نفسه بيَّنَ أنّ الحرب يمكن أن تكون ضرورة في بعض الأحيان من خلال قوله: "جئتُ لترسيخ الصلح والسلام بالسّيف". ولكم كنتُ أرغبُ في أن يترك عيسى عليه السلام لنا بعض التوصيات التي تبيّن الحالات التي يمكن فيها استعمال السيف والنار حتى يكون العالم المسيحي بريئا من هدر الدماء الذي يتمّ باسم الدين. لقد كانت المسيحية تمتاز بالتواضع والسكون عندما كانت دينًا للعبيد والضعفاء. ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى اتّخذت وضعا سلطانيّا وبهرجًا من خلال شخصية الإمبراطور قسطنطين، ثمّ بدأت الدماء بعد ذلك تسيل مثل المياه. حيث لم يُظهِر أتباعُ أيُّ دينٍ تعذيبًا وظُلمًا وعدَمَ تسامُحٍ بالقدر الذي أظهرهُ هؤلاء المسيحيون الذين نُصِحوا حتّى بمحبّة عدوّهم. وبغض النظر عن أعدائه، فأتباعُ نفس الأستاذ (عيسى عليه السلام) تناحروا فيما بينهم وأراقوا الدماء لمُجرّد أنّ بعضهم لم يعبدوه بنفس الشكل الذي عبده به بعضهم. وفي زمن الصليبيين تسببت "كنيسة القيامة" في إراقة الكثير من الدماء ولو أن القوامة عليها لم تُعطى من الله للمسلمين لتحوّلت قَطْعًا إلى كومةٍ من التراب. وفي مقابل الحقد والكره الذي تحسّ به الكنيسة اليونانية تجاه الكنيسة الكاثوليكية مثلا، نجد أن من الواجب على المسلمين بمقتضى تعليمات القرآن أن يحترموا أيّ معبدٍ يُعبد فيه الله مهما كان الدين الذي ينتمي إليه وأن يحافظوا عليه من الضرر. ومن المؤكّد أنّ بقاء مفاتيح كنيسة المهد بيد المسلمين –والله أعلم- ليس من أجل الحفاظ على المكان وإنّما لكي يمنع وضِيعِي المسيحيّة المعتدين والوحشيين من التناحر فيما بينهم.

لم تنتهي الحرب بعدُ من العالم. والغرب المتحضّر مازال يُنفقُ كامل ذكائه وعلمه في اختراع أسلحة حربية جديدة. لذلك فإن العالم يحتاج إلى "نظامٍ لأخلاق الحرب وأحكامها" يوعّي الناس بوقت الحرب ومكانها والكيفية التي يجب أن تقوم بها. ومحمّد صلى الله عليه وسلم ملأ هذا الفراغ أيضا ببيانه وتعليماته الذي لا مثيل له. من هنا فصاعدا سأترك المجال لإمام جامعنا بِواكينغ الإمام القدير خوجة كمال الدين للحديث عن موضوع الحرب والجهاد في الإسلام. حيث يقول الأستاذ في كتابه الجديد " The House Divided" الذي ألّفهُ بأسلوب سلسٍ:

"... هناك معلومات يُسعى من خلالها إلى ردِّ مفهوم وجوب استعمال السيف عند الضرورة إلى علماء الإنجيل القدامى وليس إلى عيسى عليه السلام لأنّه (هذا المفهوم) يبدوا متعارضا ظاهريّا مع المعلومات المَروِيّة عن المسيح عليه السلام ومع المعلومات المسيحية الأخرى. لكن هذا المفهوم في نظر المسلم المُدقّق هو عين الحقيقة. وعلى عكس ما يُعتقد، الرّوايات الأصلية التي تعود لعيسى عليه السلام هي هذه".

"الوضعيات المختلفة يجب أن يُنظَر من زوايا خاصّةٍ حسب أزمنة ظهورها. فالتفصيل الذي يكون بلا أهمية في بعض الأحوال قد يشكّل جزئيّة ضرورية في أحوال أخرى. وبناء عليه فإنّ بعض روايات عيسى عليه السلام التي تبدوا متناقضة من حيث الظاهر، سببها أنّ كلماتها قِيلت في الحقيقة للتعبير عن أحوال مختلفة تماما. ومن المؤكّد أنّ هذه التفصيلات كانت ستُبيَّنُ بشكل مفصّل، ولكن ليس خلال مرحلة نبوّته القصيرة لأنها لم تكن كافية لاستيفاء هذا الأمر، ولذلك أعلن هو بنفسه بأنّ "معلِّما آخر سيأتي وأنه سيُنهي مهمّتهُ التي لم تنتهي"[30]. وقد وجدنا نحن المسلمون هذا المُعلّم الموعود في شخص محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أنّ حبيبنا النبي صلى الله عليه وسلم نوَّرَ الإنسانية في ما يتعلق بنقاط الاختلاف. فقد بيّن عمليّا ونظريّا –بالفكر والفعل- الظروف التي يمكن للعبد الصالح "أن يأتي فيها بالسيف والنار إلى العالم" والوضعيات التي تكون فيها "محبّته موجّهة حتى إلى أعدائه". اقرؤوا مقولات عيسى عليه السلام تحت ضوء القرآن الكريم وسترون كم هو صحيح طرحُنا الذي ذكرناه وكيف اكتسبت تلك المقولات معاني عميقة وأصبحت بها حيّةً. وإلّا فإنّ تلك المقولات الجميلة ستبقى عبارة عن رُكامِ مجموعة كلماتٍ غير قابلة للتطبيق بل ومتضاربة في ما بينها.

"حتّى الوُعّاظ المسيحيون ومُفسِّرو الإنجيل أنفسهم يعجزون عادةً عن منح معانٍ كاملةٍ ولطيفةٍ لتلك المقولات. فقد اختاروا طريقة مثاليّة مجرّدةً ومغلقةً لتأويل حقائق الإنجيل. أما في نظرنا نحن المسلمون فأصل المسألة ليس هكذا أبدا. فتلك المقولات قِيلت على حقيقتها صحيحةً لكي يتمّ تطبيقها وهي قابلة للفهم تماما.

"من الأنسب هنا أن نُحيلَ بشكلٍ مقتضبٍ إلى أحكام الحرب وأخلاقها عند المسلمين.

"القرآن لا يأذن في استعمال السيف إلا في أحوالٍ معيّنةٍ. أولها وأهمّها؛ الظرف والوضع الديني، سواءً كان الدين المعنيّ إسلامًا أو غيره. ويمكن ذِكرُ شِقّين اثنين للظروف الدينية التي تجعل الحرب مشروعة:

"1. عندما يتعرّض مكان عبادةٍ إسلامي (أو مسيحي أو يهودي أو هندوسي أو بوذي أو أيّ دين آخر) للظلم فإنّ المسلم مُكلّفٌ بفعل ما بوسعه لحمايته وإنقاذه. يقول القرآن الكريم:

" أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)"[31].

"من المُثير جدّا للانتباه ذِكرُ المساجد في الأخير. وهذه الآية فقط كافية لإثبات مسألة تأمين أماكن العبادة مهما كان جنس العبادة التي تُقام فيها. فبالرغم من مدّة حكم الإسلام في الهند التي تجاوزت الألف عام، مازال فيها إلى الآن آلاف المعابد الوثنية. هل يوجد في تاريخنا نحن الأوروبيين مثالٌ بهذا القدر من الكرم؟ وإذا سأل أحدهم عن تلك المساجد الكبيرة ذات العظمة والهيبة التي كانت في إسبانيا وصقلية وجنوب فرنسا ومالطا وغيرها، ماذا سيكون الجواب؟ طبعا، أغلبها حُفِرت حتّى أساساتها.

"2. الوضع الثاني الذي يجعل من الضروري والمشروع استعمال السيف هو تعرّض حريّة الضمير للخطر. فالإسلام له موقع ودورٌ متميّز جدّا بين جميع الأديان في ما يتعلق بتأسيس حريّة الدين بشكل ثابت. حيث يقول القرآن: " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"[32]. وهذه القاعدة تحوّلت إلى "وثيقة عظمى (Magne Charta)[33]" لأصحاب كلّ العقائد الذين يعيشون تحت حكم الإسلام.

"لم يقع تحريم التدخل في القناعات الدينية للآخرين ومضايقتهم بسببها فقط، فالمسلمون مكلّفون بالتدخّل بالقوة إذا لزم الأمر عندما يقوم أحدهم بتلك المضايقات بقوة السيف. ليس لأحد الحق في التدخل بين العبد وربه في موضوع الدين. فالشخص من حقّه طبيعةً أن يتبع الطرف الذي يعتقد صحّته. والمسلمون يجب أن يمنعوا أذيّة أيٍّ كان. وإذا كان المتأذّي يهوديا أو مسيحيا فإن الحكم لا يختلف.

"لقد بيّنّا الأحوال الدينية، أما في ما يتعلق بالمسائل الدنيوية فإن استعمال السيف مُحدّد، ولا يحصُل إلا في حالة واحدة، وهو إذا دعت الحاجة للدفاع عن النفس، حتّى أنّ الإذن الممنوح لمثل هذه الحالات مُحدّد أيضا ومشروط بهذا الشرط: إذا مال عدوّ المسلمين إلى السلم وتخلى عن عدائه فإن على المسلمين أن يتصرفوا بنفس الشكل أيضا.

"النبي صلى الله عليه وسلم قام بسبعة حروب في حياته. أهمّها الحروب الثلاثة الأولى والبقية كانت بمثابة صدامات صغيرة وقعت في مرحلة تتّسم بجوّ حربٍ عامّ. والثلاثة الأولى كافية لتُنير موضوع بحثنا وتُقدِّم أساساته.

"لقد تعرّض نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم وصحابته لأذيّةٍ وظلم غير إنساني لمدّة 13 سنة طوالٍ على يد مشركي مكّة، وهذا الأمر حقيقة تاريخية يوافق عليها العدو والصديق على السواء. لكنّه لم يقابلهم بالمثل وأبدى صبره دائما. ولكن عندما وصل ذلك الظلم إلى مستوى يهدّد حياته المباركة أصبح من الضروري أخذ بعض تدابير الحماية والدفاع. وفي ليلةٍ خطَّط فيها القتلةُ قتلهُ، ترك مكّة قاصدا المدينة ليستقر بها مع صديقه الوفيّ أبو بكر الذي كان مُلازما له دائما. لكن أعداءه لم يتركوه حتى في ذلك المكان الجديد الذي يبعد كيلومترات عن مكّة. حيث غاروا من نجاحاته في مكان إقامته الجديد وبذلوا مساعي عديدة لقطف بُرعم الإسلام الرقيق قبل تفتّحه. لذلك أصبح استعمال السيف ضرورة فقط من أجل الدفاع عن الإسلام.

"أولى تلك الصدامات وقعت في بدرٍ التي تبعد 120 ميلا عن مكة مركز المشركين و30 ميلا فقط عن المدينة. هنا تحارب 1000 مكِّيٍّ مشرك مع 313 من المسلمين.

"موقع الحرب الثانية كان أُحُد، وهذه الساحة كانت تبعد 12 ميلا فقط عن ديار المسلمين الجديدة. وقد كان تعداد القُوى يبلغ 1000 مسلمٍ و3000 مكّيّ.

"أما الثالثة فقد كانت اعتداءً على المدينة نفسها، حيث حُمِلَ على المدينة بقوّةٍ قوامها 10000 رجل. ألا تُظهرُ كلّ هذه التفاصيل وأماكن المعارك ونسبة أعداد الطرفين بشكل واضحٍ أنَّ الصدامات حصلت فقط من أجل الدفاع عن الإسلام وإنقاذه من الفناء؟ كلّ ما ذُكِر هو بالضبط مثل الوضعية التي طلب فيها عيسى عليه السلام منّا أن نبيع لباسنا ونسعى لشراء السيوف. غير أنّ محمّد صلى الله عليه وسلم إلى جانب ذلك قدَّمَ تطبيقا مثاليا لطريقة التصرّف التي بيّنها جزءُ "موعظة الجبل" (Sermon on the Mount) للمسيحيين. حيث أنّه:

"خرج مع قافلة قوامها 10000 شخصٍ باتجاه مكّة التي كانت مسرحا لظلم المسلمين وأذيّتهم لسنوات طوال. فحُوصِرت مكّة وأُخِذت بسهولة من دون إراقة نقطة دماء واحدة. المغلوبون –الذين قاموا بكلّ ما في وسعهم لأذيّة المسلمين واستعملوا في ذلك كلّ مهاراتهم- وزعماء المقاومة المخيفون والجلادون والظالمون والقتلة ظلّوا تحت رحمة المسلمين الغالبين المظفرين. فعُفِي عنهم جميعا من دون أي عقابٍ تقريبا، في حين أنّ أفعالا كهذه في عصرنا تُقابلُ بعقابٍ قاسٍ جدّا حتى في القوانين العسكرية الحديثة. لأنّ محمد صلى الله عليه وسلم سيُكمِّلُ عيسى عليه السلام -الذي قال كلماتِ جزءِ "موعظة الجبل"- وسيُبيِّن طريقة تنفيذ تعاليمه ولأنّه هو "روح الحقيقة" التي ستقود الناس إلى "الصواب التام". لأنّه سيجعل من قاعدة "أحِبَّ عدوّك" نموذجا مُشاهَدًأ ومجسّما وسيكون مثالا للناس. لقد دعى زعماءَ المشركين ونادى عليهم في الطرقات أن "اذهبوا فأنتم الطلقاء" بلينٍ لم يتوقعوه حيث كانوا يعتقدون أنه سيصدر في حقّهم أشدّ الأحكام. هذا العفو العظيم ضمِن للمسلمين فوائد لم يكونوا ليحصلوا عليها بأي طريق آخر؛ فقد تمّ النصر وفُتِحت قلوب الأعداء بالمحبّة. كما تمّ القضاء على عراقيل بعض المتعطّشين للدماء بضربات بسيطةٍ. لقد تمّت مداواة جروح الكره والبغض من خلال المسح عليها بمرهم المحبّة والمسامحة.

"إنّ كنوز العالم المُبهرة في الفن والعلم والفلسفة مَدِينةٌ (من الدَّيْنِ) لعصر الإمبراطورية الأمويّة، سلطنة المسلمين العظيمة المشهورة. هذه الإمبراطورية أُسِّست وحُكِمت من قبل أحفاد زعماء الأعداء الذين كسِبهم الإسلام [يوم فتح مكة].

"ستظلّ الحرب ضرورة واقعية حياتيّة في هذا العالم ما لم يتحلّى الناس بسلوكِ مُسلمٍ مستقيمٍ أو مسيحي أصلي حقيقيّ يكونان مُحافظان على مبادئهما الأصلية و تكون سلوكياتهما في الأساس واحدة. ويمكن القيام بالكثير من الأمور لإيقاف الظلم والآلام التي هي نتيجة للوحشيّة السائبة إلى حين حُلول العصر المثالي الذي ستحكُمه السعادة والصُّلح المطلق. يعتبِرُ الإسلامُ الحربَ شرًّا لا يمكن القضاء عليه نهائيّا، لذلك وضع لها القواعد الشروط الممكنة وسَعى إلى تقليص مضرّتها إلى الحدّ الأدنى.

بالرغم من إقرار معاهدة حربٍ قبل سنواتٍ في مؤتمرات لاهاي بقصدِ الحدِّ من الظّلم وإراقة الدماء بلا داعٍ، غير أنه لا يمكن الجزم بدرجة نجاحها على أرض الواقع. هذه الأحكام ستلقى قبولا بإذن الله وإذا نُفِّذت فمن المتوقّع أن ينعم أتباع الأديان والعقائد المختلفة في العالم براحةٍ أكبر.

يقول القرآن:

" أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ"[34].

" وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ".

" وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ".

"فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)"[35].

في ما يلي طريقة الحرب التي ذكرها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بعبارة صحابيِّه الحبيب وأوَّل خلفائه أبي بكر رضي الله عنه:

"عندما تلتقي بعدوك في المعركة كُن وقورا وهادئا بشكلٍ يليق بمسلم جيّد، وتذكر دائما أنك في زمن أحفاد إسماعيل العادلين والمُحقّين". (ترجمتُ ما في النص بالضبط لأنني لم أعثر على أثرٍ بنفس المعنى).

"عليك باتباع رايتك عند ترتيب الجيش وتصفيفه وفي جميع الحروب وأطِع أُمرائك دائما. لا تنهزم ولا تستسلم ولا تولّي هاربا. إنّ قتالكَ عملٌ خيِّرٌ من أجل انتصار الخير على الشر. أنت تُحارب بمشاعر ورعبة أصلية هي الفوز بالجنّة، لذلك لا تخف في الانغماس في وسط المعركة، فلا يغلبنّكم العدوّ وإن كان أكثر منكم عددا. وإذا منّ الله عليكم بالنصر فلا تُسيؤوا استعمال تفوّقكم، وإياكم وتلويث سيوفكم. ولا تقتلوا طفلا صغيرا أو شيخا كبيرا ولا امرأة، وعند تقدّمكم في أرض العدوّ لا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تخرّبوا المحصول ولا الحقول ولا تحرقوا البيوت. ولا تأخذوا من دكاكين الأعداء وعنابرهم إلا ما يلزمكم، ولا تسمحوا بأي تخريب لا داعي له. ولكن أحكموا قبضتكم على مدينة العدوّ كما ينبغي وحرّبوا الأماكن التي قد تكون لخصومكم مأوى وملجأ. عاملوا الأسرى والمسجونين ومن التجأ إليكم مُسترحما بطريقة ملائمة مثلما تحبون أن يعاملكم الله عند الحاجة. ولكن اسحقوا بأرجلكم المتكبرين والعُصاة والمعاندين. لا تهملوا طَحنَ زمرة المتنكّرين والمحتالين الذين لا يفون بالشروط المتفق عليها. اسعوا إلى أن لا يكون هناك خطأ أو خيانة في تطبيق المعاهدات التي أبرمتموها مع الأعداء. فكّروا دائما بأنكم أشخاصٌ مستقيمون وأصيلون، وكونوا أوفياء وراعين لجميع وعودكم، وكونوا عند عهدكم. وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، ولا تخربوا مساكنهم. والذين لم يذعنوا لشروطكم التي طلبتموها فقاتلوهم بشدّة وبشكلٍ قاتلٍ حتّى تطرحوهم..."[36].

(((حاولت كثيرا أن أبحث عن أثر فيه هذه المعاني أو أغلبها حتى أنقله نصّا ولكنني لم أجد، فترجمت المعاني الموجودة، فأرجوا منكم التثبت من هذا الكلام قبل النشر)))

كم من الفرح والسعادة ستؤمّن هذه التوصيات جميعها للإنسانية إذا ما طُبِّقت على مستوى العالم. وأنا أترك تقدير هذا الأمر للقارئ. لكن يمكن عموما أن يُقال بأن المسلمين راعوا هذه القواعد بشكل جميل في الحروب. فالأتراك العثمانيون لهم أمثلة لا تُحصى حول ذلك في أزمانهم القديمة والجديدة.

بعض القواعد الأخلاقية في الإسلام

لا وجود لدينٍ يفتقد الأوامر الأخلاقية والتعاليم التربوية. غير أن الإسلام أكسَبَ تلك الأوامر والتعاليم شكلا أكثر تنظيما ولم يهمل أيّ فرع من فروع الأخلاق. فبينما تستهدف بقية الأديان في الغالب بعض الأقوام والأعراق المعيّنة، يتجاوزُ الإسلام جميع تلك الحدود والتقييدات ليخاطب الإنسانية جمعاء وينشغل بالمواضيع العالمية. في حين أنّ المسيحية تسكتُ بالخصوص عن هذه النقطة الأخيرة. فالمسيحية مثل الإسلام، تهتم بموضوع التكامل الفردي والشخصي. لكنّ الإسلام يُديرُ أيضا علاقة الأمم بعضها ببعض. فهو ليس دين قومٍ أو عرقٍ، بل هو نظام إيمانٍ عالميّ.

هذه النقاط التالية بالخصوص تثير إعجابي كثيرا في الإسلام:

لقد أولى النبي صلى الله عليه وسلم أهمّية كبيرة لموضوع اكتساب العلم والحصول على المعرفة. فقد كان يوصي أصحابه بعدم التواني في تعلّم العلم وإن استدعى ذلك الذهاب إلى بلاد بعيدة كالصين. كما قال أيضا: " تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ".

كما أن العمل أيضا من الأمور التي بجَّلَها. فقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم العملَ مقدّسا وأوضح أن الكسل معصية.

وهو لم يكن يسمح لأتباعه بالخروج بلا مالٍ في جيوبهم عند سفرهم أو ذهابهم إلى مكانٍ ما للقيام بوظيفة دينية. فالمُسلم لا يمكنه السفر ما لم يكن لديه ما يكفي لسدّ حاجيات السفر حتى وإن كان قاصدا مكّة من أجل الحج.

لم يغلق النبي صلى الله عليه وسلم أبواب الجنة في وجه الأغنياء كما لم يفعل مع الآخرين. بل بالعكس، فإذا استُعمِل الثراء في سبيل الترويج للمبادئ الإنسانية والتشجيع عليها فهو -حسب ما ذكر صلى الله عليه وسلم- واحد من أوثق الوسائل للدخول إلى الجنة. فجميع أنواع ثروات المرء وإمكانياته وسائر قوّته هي أمانات وهبها االله لكي تُستعمَل لصالح المخلوقات.

هذه الصفحات المحدودة لا تسمح لي مع الأسف بالحديث طويلا عن أخلاق الإسلام. لذلك فكّرت في أنّه ليس أنسب من عرض بعض الأحكام الأخلاقية المستوحاة من القرآن الكريم والأحاديث المقدّسة لحبيبنا النبي صلى الله عليه وسلم:

 " إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"[37].

الحكم المذكور في الآية يشمل الإشاعات الكثيرة التي تنتشر كثيرا في كلّ المجتمعات والتي تهدف إلى نشر أخبار كاذبة ورواياتٍ صحيحة وغير صحيحة حول النساء المستقيمات الطاهرات. والإسلام حرّم بشدّة هذا النوع من الرذائل.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"[38].

كان العرب قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم يدخلون إلى البيوت بلا استئذان ولا يطرقون الأبواب. وهذه الآية منعت وألغت هذا التصرّف البريّ. فقد وضعَتْ الأساس للأمان والاطمئنان العائلي الذي يحتاجه المجتمع الناضج والمتطور. هذا القانون هو شاهد واضح على معاملة المسلمين المليئة بالأمان والثقة تجاه النساء، وهو يمثّل معيارًا حارسًا يؤمّنهنّ من الافتراءات.

احترام الحرمات

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"[39].

إنّ مسائل الدولة تأتي قبل المسائل الشخصيّة.

"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ... "[40].

" وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"[41].

" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"[42].

احترام الشرف والمكانة

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"[43].

جميع هذه الآيات متعلّقةٌ بجملة من الشرور المتشرة بكثرة إلى اليوم في المجتمعات التي تصف نفسها بالتحضّر. والمواضيع التي تناولتها (الآيات) هي مشاكل تنخُر في داخل المجتمعات لتدمّرها. هذه التصرفات السيئة تظهر عادة مع الثراء. لأنّ الناس الذين يعيشون في رفاه وراحةٍ اعتادوا البحث عن عيوب من حولهم من أجل تحقيق تفوّقٍ في الأمور المهنيّة أو المسائل الشخصية الأخرى. وهذا الطريق يفتح الباب أمام ضُعف المشاعر الأخويّة وعلاقات الصداقة ونسيانها، ويجلبُ الكُره.

إنّ أخوّة الإنسانية على نطاقها الواسع محتاجةٌ إلى منظومةٍ أخلاقية كتلك التي في الإسلام. وهكذا يمكنها تأسيس تفاهم متبادلٍ أكثر تكاملا بين الأعراق والألوان المختلفة.

إنّ القرآن الكريم يذكِّر الناس ويعلّمهم بأنهم ينتمون إلى عائلة واحدة. وأنّ تفرّقهم إلى شعوب وقبائل ليس لكي يكونوا غرباء عن بعضهم، بل ليتعارفوا وليتحابُّوا. والتفوّق الحقيقي لشخصٍ أو شعبٍ ما على البقية لا يستند إلى لونٍ أو طبقةٍ اجتماعية أو ثراءٍ، بل يستند إلى كمال أخلاقه.

 الشخص الذي يصرف همّته وطاقته في ترقية نفسه معنويا وفعل الخير للناس يكون عظيما ومحترما ويدخل في النتيجة إلى الجنة التي هي الغاية الأصلية للحياة. الشخص الذي مثل هذا، ضمِن لنفسه أعلى نِعم الجنّة من خلال حسن تعبّده لربّه وحسن خدمته لخلقه.

المقولات التي سبق ذكرها هي بعض القواعد الأخلاقية المأخوذة من القرآن آخر كتاب مقدّس أوحي للناس. وهي تبيّن مقدار رِفعة محمد صلى الله عليه وسلم ومقدار سعيه إلى رفع المؤمنين به. والغاية من وراء ما جاء به هي انتشار جوّ المحبة العميقة والقداسة بين الناس. كما أن المجتمع الذي سعى إلى تأسيسه هو مجتمعٌ يكون أفراده مسيطرين على النزعات الحيوانيّة التي في فطرهم، ويتصرفون بشكل منطقي وموزون، ويحكمون أنفسهم بشكلٍ أصيل، ويقومون بوظائفهم بروح إنسانية وفاضلة. وفي ما يلي نستعرض أحاديثه وأقواله القيّمة المتفرّدة المليئة بالحكمة:

" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب".

"كلّ من لا يكون مستقيما في قوله وفعله وتفكيره بأتم معنى الكلمة لا يُعتبر إنسانا جيّدا"

(لم أجد حديثا بهذا المعنى بالضبط لذلك ترجمتُ المعنى كما هو)

" أوصاني ربي بتسع:

1- أوصاني بالإخلاص في السرِّ والعلانية

2- والعدل في الرِّضا والغضب

3- والقصد في الفقر والغِنى

4- وأن أعفو عمَّن ظلمني

5- وأُعطي مَن حرمني

6- وأصل مَن قطعني

7- وأن يكون صَمتي فكرًا

8- ونطقي ذكرًا

9- ونظري عبرًا."

"وفوق ذلك، أمرني ربي بالقيام دائما بالأفضل والأصوب".

"الخلق عيال الله، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله "

" المؤمنون هم الراعون لأماناتهم والصادقون في قولهم والموفون بعهدهم. كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه"

"اطلبوا العلم، لأنّه يجعل صاحبه قادرا على التمييز بين الصائب والمعوجّ ويُبيِّنُ طريق الجنّة وينيرُها؛ هو رفيقكم في الصحراء وصديقكم في الوحدة. يوصلكم إلى السعادة ولا يوقعكم في البؤس. وهو زينة لكم بين الأصحاب وسلاح لكم ضد الأعداء".

"الْوَحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيسِ السُّوءِ ، وَالْجَلِيسُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ، وَالسُّكُوتُ خَيْرٌ مِنْ إِمْلاءِ الشَّرِّ، وَإِمْلاءُ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنَ السُّكُوتِ".

"لا تؤذوا أنفسكم حتى لا يحاسبكم الله على ذلك. الرهبانية وترك الدنيا والاعتزال ليس فعلا مقبولا في نظر الإسلام".

" الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس".

" مَنْ كَانَ مِنْكُمْ تَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ وَتَسُوءُهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ"

"أكبر الجهاد جهاد النفس. وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ"

" لا ينظر اللَّه إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه".


* J. W. Lovegrove (Habibullah), “İslâmiyet Nedir?”, çev. M. Es’ad Coşan, içinde; M. Es’ad Coşan İslâm, İstanbul: Server İletişim, 2015, s. 131-177.

((في النص كثير من الكلام المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويكون فيه معاني إضافية غير موجودة في الحديث الأصلي أو قد تكون جمعا لمعاني بعض الأحاديث. وعند ترجمتها إلى العربية نقع في مشكلة خطيرة وهي أننا نقول "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولكن المحتوى قد لا يكون من كلامه لأن المعاني المذكورة غير مطابقة لنصوص الأحاديث. لذلك أرجوا منكم تعديل النصوص التي ترجمتُها لكم إلى العربية كما هي وأشرتُ إليها بالأحمر، أو استبدالها بنصوص الأحاديث إن وُجِدت حتّى لا يطالنا وعيد النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: "من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار". كما أرجوا إعلام الإخوة المسؤولين عن ترتيب النصوص التركية أن يُخرّجوا الأحاديث الواردة في النصوص حتى ننقلها بنصّها عند الترجمة خروجا من الحرج ولكم جزيل الشكر. ))

[1] البقرة، 112.

[2] هنا يلمّح المؤلّف إلى اعتقادٍ باطل عند المسيحيين، فهم يرون أن الطفل يولد ملوّثا بذنبٍ أصليّ وموروث ولا يُعتبر طاهرا ومعفوّا عنه إلا بعد مروره بجملةٍ من المراسم الدينية. (عن المترجم [البروفيسور محمود أسعد جوشان]، 19 ديسمبر، 1966) 

[3] سورة التين، 4-6.

[4] سورة آل عمران، 19.

[5] سورة البقرة، 136.

[6] سورة الحج، 78.

[7] سورة الأنعام، 163.

[8] سورة البينة، 2-3.

[9] سورة الأنعام، 38.

[10] سورة النحل، 63-65.

[11] سورة المائدة، 3.

[12] سورة العنكبوت، 69.

[13] سورة النحل، 2.

[14] سورة فصلت، 30-31.

[15] سورة الأعراف، 156.

[16] سورة البقرة، 255.

[17] سورة الحشر، 22-24.

[18] سورة السجدة، 17.

[19] سورة الحديد، 12.

[20] سورة البقرة، 154.

[21] سورة القارعة، 8-9.

[22] سورة البلد، 8-10.

[23] سورة الماعون، 4-5.

[24] سورة البقرة، 177.

[25] سورة البقرة، 183.

[26] الكلمة التي هي محلّ البحث في الإنجيل، هي أحد أهمّ الأدلّة على أن الإسلام هو دين الحق. وعلى غرار العديد من المهتدين، وصل عالم اللاهوت المسيحي والراهب الإسباني أنسلمو تورميدا إلى الحقيقة من خلال آية الإنجيل هذه. حيث انتقل إلى تونس بناء على وصيّة أستاذه العجوز الراهب نيكولاس مرتيل وتنبيهه ثم أعلن إسلامه هناك. وقد ألّف كتابا يُنبّه المسيحيين ويدعوا إلى الإسلام. هذا الكتاب الذي يجب على كلّ مثقف بالخصوص أن يعرفه ويقرأه نُشِرت له ترجمة عظيمة ومُتقنة في وطننا (Anselmo Turmedo, Hristiyanlığa Reddiye, Bedir Yayınları, İstanbul 1965). وأنا أوصي به –بشدّة- القارئين المُحبّين للتدقيق العلمي وللتدبّر والجامعيّين ومواطنينا المسيحيين الباحثين عن الحقيقة.

[27] سورة النساء، 1.

[28] سورة البقرة، 228.

[29] سورة النحل، 90.

[30] يوحنا، 16.

[31] سورة الحج، 39-40.

[32] سورة البقرة، 256.

[33] الوثيقة العظمى هي فرمان نشره الملك جون سنة 1215 تحت ضعط الإقطاعيين، وهي تمثل أساس الديمقراطية الأنكليزية.

[34] سورة الحج، 39.

[35] سورة البقرة، 190-193.

[36] The Law Quarterly Review, 1908.

[37] سورة النور، 23.

[38] سورة النور، 27.

[39] سورة النور، 58.

[40] سورة النور، 62.

[41] سورة الحجررات، 9.

[42] سورة الحجرات، 10.

[43] سورة الحجرات، 11-13.

مقالة “What is Islam?” Professor M. Es’ad Coşan