محمود أسعد جوشان / البروفيسسور الدكتور محمود أسعد جوشان رحمه الله

التخصص و تقسيم العمل*

إذاً : علينا أن نقسم العمل بشكل جيد فيما بيننا ، و نوكل كل عمل لمن له الموهبة في أدائها و القدرة عليه و الرغبة فيه، و نحاول بكل ما نستطيع من قدرة لتحقيق النجاح في المجال الموكل لنا، و نتعلم كل ما يجب تعلمه في ذلك المجال و نكتسب كل الخبرات في مجالاتنا، كما يجب علينا كذلك أن ننشأ تعاونا و تنسيقا تامّين بين جميع أفراد العمل كي نخرج في النهاية بنجاح و تقدم و رقي لأمتنا جمعاء. لأنه إنما يليق بالمؤمنين ما حسن و كمل في كل مجال في الدنيا و الآخرة.

القراءة بلغة أخرى

البروفيسور الدكتور محمود أسعد جوشان (رحمه الله)

نجاح البشرية في يومنا هذا حضاريا إنما هي نتاج العصور الخوالي، و هذا النجاح ليس ملكاً لشخص بعينه أو مرتبطاً بجماعة بعينها، و إنما هو نتاج العمل الجماعي للمجتمع البشري. وكان الانفجار الحضاري الحاصل في القرنين الأخيرين هو السبب الأكبر في وصول البشرية إلى هذا المستوى من التقدم . و أساس هذا الإنفجار إنما هو نتيجة لكثير من العوامل المتداخلة لذلك لا يمكن لنا أن نعين أن سببا ما هو الأساس لهذا التقدم. وينبغي أن ننظر إلى الأسباب المتكاثرة التي أدت إلى إنشاء التكوينة الاجتماعية والوقائع الحاصلة فيها على أنها محصلة للعديد من المؤثرات و القوى المشتركة .فينبغي أن نغوص في تفاصيلها و نبحث عنها بأنفسنا.

إن العلوم قد كثرت و توسعت و ترقت لحد يستحيل على شخص بعينه أن يحيطها بها كلها مها كانت قدراته و مهاراته. فهذه الحقائق تسوقنا إلى التضامن وتقسيم أعباء العمل والتعاون والتنسيق والتخصص.

علينا أن ندرك أن المشاكل السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و التجارية و المشاكل التي بين الأمم لا يمكن إيجاد حلول لها بالعمل الفردي ، لذلك لابد أن نضع أيدينا بأيدي بعض ونعمل مستنيرين بنور العلم والعقل والمنطق والعقيدة متحابين يحترم بعضنا البعض للوصول إلى الحلول الناجعة.

لقد أمرنا كتاب المقدس (القرآن الكريم) وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نوكل الأمر لأهله. و هذا من أهم مفاتيح النجاح و هو المبدأ الذي لا يتغيير على مدى العصور في كل المجالات. و المجتمعات التي طبقت هذاا المبدأ ترقت و عظم مجدها، أما المجتمعات التي خالفت هذا المبدأ فإنها باءت بالخسران و البوار.

وقد قال الدبلوماسي النمساوي ده بوسبيق (Baron de Busbecq) الذي زار الخلافة العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني رحمه الله في دهشة وعجب: {هنا يترقى من نجح في مهنته و له دراية بها، فراعي الماشية يمكنه أن يترقى إلى رتبة وزير إذا كان له موهبة  تعده لهذه المهمة. فهل يمكن أن يحدث ذلك في أوربا عندنا؟ إن أبناء النبلاء عندنا يترقون للمناصب العليا، حتى و لو كانوا حمقى و سذّج، لمكانة آبائهم الرفيعة، لذلك تعيش دولنا متخلفة تعيسة}[1].

و يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة). وعندما سؤل صلى الله عليه وسلم: وكيف إضاعتها يا رسول الله قال : (إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)[2].

إذاً : علينا أن نقسم العمل بشكل جيد فيما بيننا ، و نوكل كل عمل لمن له الموهبة في أدائها و القدرة عليه و الرغبة فيه، و نحاول بكل ما نستطيع من قدرة لتحقيق النجاح في المجال الموكل لنا، و نتعلم كل ما يجب تعلمه في ذلك المجال و نكتسب كل الخبرات في مجالاتنا، كما يجب علينا كذلك أن ننشأ تعاونا و تنسيقا تامّين بين جميع أفراد العمل كي نخرج في النهاية بنجاح و تقدم و رقي لأمتنا جمعاء. لأنه إنما يليق بالمؤمنين ما حسن و كمل في كل مجال في الدنيا و الآخرة.


* المقالات الرئيسية  Başmakaleler 33: İlim ve Sanat ve Panzehir Dergileri Başmakaleleri المقالات الرئيسية لمجلات العلم والفن والترياق، İstanbul: Server İletişim 2008 ص31 . 32 .  

[1] Ogier Ghiselin de Busbecq, Kanuni Devrinde Bir Sefirin Hâtıratı: Türk Mektupları, Ankara: Serdengeçti Yay.,

1953, ص. 121.

[2]  البخاري، الصحيح، كتاب الرقاق، الباب: 35، أحمد بن حنبل، المسند، المجلد الثالث، صـ: 361،حـ رقم: 8714، ابن احبان، التقاسيم والأنواع (الصحيح)، المجلد الأول، صـ: 307، حـ رقم: 104، البيهقي، السنن الكبرى، المجلد العاشر، صـ: 118.

مقالة “التخصص و تقسيم العمل” الأستاذ الدكتور/ محمود أسعد جوشان رحمه الله