الأفضلية المسلمة للعالم*

أعلى وأشرف وأعظم طبقة في المجتمع الإسلامي هي طبقة العلماء الربانيين، الأتقياء، الذين يعملون بعلمهم وهي طبقة السادات الكرام والمشايخ العظام والأولياء الفِهام ، جعلنا الله في طريقهم ويسر لنا اتباع منهجهم وحشرنا في زمرتهم المباركة. السلاطين والأمراء والوزراء والمأمورون والمسئولون وكل الطبقات الأخرى تبع لهم وتحت تصرفهم وفي كنف إرشادهم وتوجيهاتهم.

القراءة بلغة أخرى

البروفيسور محمود أسعد جوشان (رحمه الله)

العلماء الحقيقيون هم منارات الهدى ومصابيح الظلام المرشدون للحكام و المحكومين  يوجهونهم ويهدونهم . رفعوا مجد الإسلام ، ووضحوا دقائق حقائقه وعلموها للناس ، وصانوا الفكر الإسلامي وخلصوه من الانحلال و الانحطاط.

في العهود التي كان يطبق فيها الشريعة الإسلامية كان هؤلاء العلماء هم من تصدوا لأصغر زيغ وميل عن طريق الحق بكل جسارة وجرئة ولم يبالوا بما يمكن أن يلحقهم، وأدوا للضالين المضلين دروسا لن ينسوها كما حموا ذوي النيات الطيبة من هؤلاء الذين يميلون عن الحق من الوقوع في الخطأ. وحتى في العهود التي خضع فيها العامة للبطش لم يخضع هؤلاء العلماء للظالمين بل أخضعوهم للحق. وفي عهود الإحتلال والمصائب والمظالم ذاق أولئك العلماء كل أنواع الأذى واحتملوا ذلك في سبيل الله وجمعوا الناس وحاربوا بهم في مواجهة الإحتلال وللحصول على الحرية والإستقلال وأبهروا العالم بهذه المقاومات الباسلة.

وهم من رفعوا أعلام الإسلام المقدسة عالية وهم سلاطين القلب والباطن، فمنهم من سجن مثل الإمام أبي حنيفة وأحمد بن حنبل والإمام الرباني والشيخ شامل وآلاف غيرهم من العلماء والمرشدين والشيوخ والأساتذة والوعاظ والزهاد.

نعم لقد تمكن بعض الظالمين من السلطة السياسية والإدارية في بلاد الإسلام في بعض الأحيان لكن لم يستطع هؤلاء الظالمين من أخذ دعم أولئك العلماء في إشباع شهواتهم وحرصهم على السلطة وآرائهم الفاسدة، بل تصدى لهم علمائنا الربانيون وقاوموا ظلمهم وطغيانهم. ولقد حاول الظالمون أولئك بكل ما لديهم من قوة إغراء وإرغام لإخضاع علمائنا الأفاضل عن التنازل عن مواجهة الباطل فلم يفلحوا في ذلك.

وواجه هؤلاء العلماء الربانيون أولئك الظالمين وصدعوا في وجوههم بالحق، وأدانوا ما عمله أولئك الظالمون من أعمال سيئة وحاسبوهم على ذلك، وأخبروهم بقبح ما عملوا به وأنذروهم بأن تلك الأفعال من المنهيات والمعاصي كما أنذروهم من عاقبة أفعالهم السيئة، وذكروهم بعذاب الله يوم القيامة جراء أعمالهم وأبكوهم في أغلب الأوقات بمواعظهم.

قام علمائنا الربانيون بزيارة أصحاب السلطة ووعظوهم  لكن ردوا عليهم عطاياهم كما ردوا عروض المقام والمنصب وردوا كذلك طلب زيارات الظالمين لهم، وعاش هؤلاء الربانيون أحرار وتعلقوا بالله وحده، ولم يعبدوا العبد بتعظيمه ولم يرضوا أن يكونوا آلات لتحقيق مطامع أولئك الظالمين ولم يخضعوا لهم.

وواجه علمائنا العظام الظالمين ولم يبالوا بالموت الذي يمكن أن يأتي على أيديهم، ولم يخافوا في الله لومة لائم، ويخضعوا للظالمين وإن سجنوا، بل حولوا السجون إلى مساجد ومدارس، ونشروا علومهم في السجون.

وفي أثناء الجهاد والقتال رغب هؤلاء العلماء المجاهدين في الحرب، كما قاموا بتشجيع السلاطين ورفع معنوياتهم وأخذوا بألجمة خيولهم ومنعوهم من الهرب من ميدان المعركة، بل جاهدوا في الصفوف الأول مع طلابهم ومريديهم وبذلوا كل ما بوسعهم لتحقيق النصر.

لأن العلماء ورثة الأنبياء ووكلائهم[1]، وأمناء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ائتمنهم على أمته وهم السلاطين والسادة والقادة الحقيقيون.

يجب أن يكون العلماء في الصدارة في كل شيئ في المجتمع الإسلامي، وإذا اتنخب أولو الأمر من غير العلماء فهذه خيانة للأمانة وبهذا يفسد شئون الدنيا والآخرة وعلى هذا تقوم الساعة.

فساد الشعوب بفساد الأمراء والحكام وفساد الحكام بفساد العلماء. فعلى العالم أن يفتش المجتمع ويراقبه. فهذا عمله الذي كلفه الله تعالى به.

إذا دخل العالم في أمر الحاكم هلكوا أجمعين.

نعم الحكام على أبواب العلماء وبئس العلماء على أبواب الحكام.

اللهم احفظ أمة محمد صلى الله عليه وسلم من حكام السوء الفساق الجهلاء الفجار، وارزق مجتمعاتنا بالعلماء العاملين الفضلاء الصالحين الأتقياء الأنقياء الفقهاء فنرجع بهم إلى تحكيم شرعك ويعم الأرض السعادة والسرور.


[1]  انظر: أحمد بن حنبل، المسند: جلد: الخامس، صـ: 196، حـ رقم: 21763، البخاري، الصحيح، العلم، الباب العاشر، أبو داود، العلم، الباب الأول، حـ

رقم: 3641، الترمذي، العلم، الباب: 19، حـ رقم: 2682، ابن ماجة، الإفتتاح، الباب: 17، حـ رقم: 223، الدارمي، المقدمة، الباب: 32، حـ رقم: 342.

مقالة “الأفضلية المسلمة للعالم” البروفسور محمود أسعد جوشان