البروفيسور محمود أسعد جوشان (رحمه الله)
لكلّ إنسان في بلادنا حريّة الكتابة والرسم في أي موضوع يشاء، الأمر موكول إلى رغبته وموضوعيّته وفهمه.
يمكن له إن شاء أن يكتُب بصلاحيّةٍ واطّلاعٍ، وأن يتكلّم ويُنبّه، ويُبيّن الصواب وينتقد، ويُصحّح الأخطاء، ويُنوّر من حولهُ ضمن دائرة تخصّصه، وفي مجال علمه، وهذا الأمر مفيدٌ لشعبِنا وبلادِنا ودينِنا، فنحن نشكر أمثال هؤلاء.
كما يمكن لهُ أن يُبيّن أفكاره خارج مجال تخصّصه إذا أراد ذلك، لكن هناك إمكانيّة لوقوعه في أخطاءٍ جسيمة، وتفوّهه بالأباطيل، وارتكابه لأخطاء شنيعة جدّاً، ولاتخاذه أضحوكةً، ولارتكابه للذنوب... بل ولتحوّله إلى خطرٍ ومضَرَّةٍ.
ومع الأسف مسألةُ خوض الإنسان فيما لا يُحسن بتجاوُزِه لحُدودِه، وخوضه في ما لا يعنيه، وجرأته دون اعتبارٍ لجهلِه، هي مسألة يُلحَظُ وجودُها في زماننا بكثرةٍ في مجال الدين والاعتقاد.
كأنْ يخرُجَ أحدُهم مثلاً ليُهاجِم عُلماءَنا القُدامى الكبار، ويلومَهم ليعرِض اجتهادَه الأصليّ بشكلٍ مُلفتٍ، عندما نرى نجدُ أنّ ما أتى به لا أصلَ له، ولا دليل، أشياء لا قيمة لها، ويخرُج غيرُه كمُجاهِدٍ حقيقيّ! وبدورِ المُجتهِد يُنكر الفروض، ويرُدُّ العلوم الدينيّة، ويُبدّعُ السُّنّة، ويتّهم مذهبنا العظيم، ويُقدّم العقائد الشّاذّة.
أحدُهُم يتصدّر لترجمة القرآن الكريم دون علمٍ باللغة العربية، وغيرُه يُحدّد الأحكام دون علمٍ بالفقه، وآخرُ بتُركيّتِه العرجاء يقوم لترجمة مؤلَّفٍ عظيم لا يستطيع حتى فهم عِباراتِه، فيتخطّى المواضِعَ التي لم يفهمها حتّى يشوّه الكتاب المسكين، ثم يأتي آخر ويأخذ القلم بيده، حتى ما يكتُبُه من جُملٍ غيرُ سوِيٍّ إملائيًّا، وجهلُهُ واضحٌ جدّاً، فيعمدُ بكلّ صفاقةٍ إلى إرشاد وتنبيه مَن هُم في أعلى مراتب العلم، ويقوم بنُصحهم...
في مجال العلم يصدُر هذا الخلط إذا لم يكُن مقصودًا بسبب نقصٍ في الأدب، وجهل للإنسان بحدودِه، ويجب علينا أن نأخذ موقفًا جادّاً حِيال هذا الأمر.
لذلك:
أ – عليكم أن تسألوا عن تخصّصات هذا النوع من الناس، وعن تحصيلهم وصلاحيّاتهم، اطلُبوا منهم أن يأتوا بأدلّةٍ عن تُرّهاتهم التي يقولون بها، وإن لم يأتوا بها فاطلبوا منهم أن يسكُتوا، وإذا أصرُّوا مع ذلك على مواصلة طرح ما يعتقدونه فلا تأخذوا كُتُبهم، ولا مجلاتِهم، ولا مقالاتهِم، ولا تقرؤوها، لا تسمعوا كلامهم، ولا تعطوهم أيَّ دعمٍ ماديّ، أو معنويّ حتّى يُمكن منعُ انتشار الجهل والاستغلال.
ب – أهمّ شيء هو أن تعرفوا العلماء الحقيقيين من القدامى والمعاصرين، وأن تعثروا عليهم، أبدُوا الاعتبار لمؤلَّفات أكثر الناس صلاحيّةً، وأعلمهم وأكملهم، وأشدّهم تقوى، وأكثرهم فضلاً وأدباً.
ت – عرِّفُوا بالمؤلّفات والكُتب والمجلّات التي قرأتُموها فأعجبتكُم، وأوصُوا بها، وانشرُوها حتّى يكون "الدّالُّ على الخير كفاعله"([1]).
ث – عند اقتنائِكُم لمُؤلَّفٍ من السوق (كتاب، مجلة، ونحوه) اقتنُوهُ بعد السؤال والاستشارة، والاختيار حتى لا تنخدعوا وتندموا؛ لأن وقتكم قليلٌ، وأثمنُ من أن تُنفِقوهُ في مؤلَّفاتٍ وأفكارٍ وادِّعاءاتٍ رديئةٍ.
أمّا الكلام والتّوجُّهات والمؤلّفات التي ظهرتْ فإنّ تعقُّبها والإحاطة بها أمرٌ مستحيل بدون تبادل المساعدة، فهي كثيرةٌ ومتنوّعةٌ وغالية الثمن فوق ذلك.
* : المقالات الرئيسية: 2017 ص 87-88. Başmakaleler 1: İslam Dergisi Başmakaleleri, İstanbul: Server İletişim, 2017, s. 87-88
(1) الترمذي (Tirmizî)، العلم (İlim)، 14، حديث رقم (hadis no): 2670؛ أبو يعلى (Ebû Ya’lâ)، المسند (el-Müsned)، (7: 275)، حديث رقم (hadis no): 4296.
مقالة
“احترام العلم والتخصّص”
البروفيسسور الدكتور محمود أسعد جوشان رحمه الله