حضارتنا الأصيلة والعلم*

وعلينا أن نبني خلايانا من جديد ونملأها عسلا لذيذاً مستخلصاً من آلاف الزهور ونصنع منها شفاء من أجل الحياة و الصحة والسلامة وسعادة الدارين الدنيا والآخرة.

القراءة بلغة أخرى

البروفيسور الدكتور محمود أسعد جوشان (رحمه الله)

قيمة العالم والمتعلم والمدرسة والشيخ وفعاليات التعلم والتعليم واعتبارهم و مرتبتهم في حضارتنا الأصيلة عظيمة وكبيرة ومميزة لا يماثلها شيء.

الشيخ في حضارتنا أرفع مرتبة من الأب، فإذا ضرب ينبت من مكان ضربته الورود، لذلك فقد احترم الحكام بسلطتهم العلماء لعلمهم، وخضعوا لهم لأن رتبة العلم أعلى الرتب.

وكان معتقدنا على النحو التالي: يعتبر طالب العلم على طريق الجنة، والاجتهاد في العلم عبادة، وثواب تعلم العلم وتعليمه في مستوى ثواب الجهاد، والتفكر في العلم والتعلم بمثابة صيام النهار وقيام الليل، والعلم الذي عُلٍمَ صدقة للمعلم، وتعليم العلم لأهله قربة لله وحرمان أهله من التعلم ظلم للمتعلم. والإجتهاد في طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. لذلك يجب تحمل كل الصعاب في تعلم العلم كما يجب تعلم العلم حتى ولو كان في الصين.

لم يكن العالم في الماضي عندنا مغرورا و متكبرا، ولا يابسا وباردا، ولا غدارا وقاتلا، ولا معتديا ومتعجرفا، ولم يكن كذلك خاليا عن الروح والحس ولا خاليا عن الغاية والمعنى. كان العلم مصاحباً للأدب، ويقارنه الخلق الحسن، الإيمان يكسبه الحياة، والعرفان يكسبه البهاء، والتقوى والورع زينة لأهله.

وكانت العلوم في تناسق تام تحت رئاسة أعظمها قدرا وهو معرفة الله سبحانه وتعالى. ويأتي كل العلوم الأخرى بعد ذلك العلم الرفيع فيدعمه ويأتمر بأمره ويتبعه. فلم يكن هناك تنازع بين العقل والقلب، والحس والمعنى والعلم والعرفان. ولم يكن المتفكرون يتناحرون في مستنقعات الشبهات ولم يكونوا يشوهون عقول المسلمين بترهاتهم فيصبح المسلمون حيارى في دينهم. فلما كان قادة مجتمعاتنا علماء صالحين كنا سعداء وناجحين في كل مجالات الحياة، فكان يقدرنا ويعرف قدرنا العالم أجمع. مادياً ومعنوياً، أفراداً ومجتمعات، دولة وأحوالاً سياسية كنا في عزة وشرف. لأن العبد الذي يحبه الله جل جلاله هو العبد الذي حصل العلم والعرفان وجمع الأدب مع الورع والتقوى، فيعزهم ربي وينصرهم ويؤيدهم بالنصرة والظفر.

فما هي حالتنا الآن؟ تجرد العلم من الإيمان والعرفان والأدب والأخلاق والتقوى والشعور بالمسئولية فأصبح فارغا يتنازع مع النظام الفاسد وبدلا من أن يجلب للإنسانية السعادة جلب لها الهلاك والدمار. لكن لن يفيد العويل والبكاء شيئا. فإذا كانت بلادنا قد دمرت بأيدي الظالمين فعلينا إنشائها من جديد، وإذا كانت شجرة عزتنا التي أصلها ثابت وفرعها في السماء قد قطعت بفؤوس الخونة فمن المؤكد أن براعمها سوف تنبت من جديد. وعلينا أن نبني خلايانا من جديد ونملأها عسلا ذو لذيذاً مستخلصاً من آلاف الزهور ونصنع منها شفاء من أجل الحياة و الصحة والسلامة وسعادة الدارين الدنيا والآخرة.


* المقالات الرئيسية3 Başmakaleler 3 : İlim ve Sanat ve Panzehir Dergileri Başmakaleleri, İstanbul: Server İletişim ، 2008 ص23-24.

مقالة “حضارتنا الأصيلة والعلم” البروفسور محمود أسعد جوشان