إنّ وجوب الكتاب أمرٌ متأكّد جدا من أجل التعلّم المنهجي. بل إنّ المواضيع التي لا يقدر الإنسان على فهمها من الكتاب تستوجب شيخا. فالكتاب الذي يُدرِّسه الشيخ أجمل. ولكن الجميع لا يقدرون على القيام بذلك لأننا عندما نقول "الكتاب الذي يدرّسه الشيخ" فإن الأمر يتعلّق بالكُتّاب/ المدرسة وبالدّوام.
القراءة بلغة أخرى
من المؤكّد أنكم جميعا سمعتم بأن الله تعالى يُجازي بالعلم ثوابا عظيما وأن ديننا يحضُّ على العلم كثيرا. وأنّ أعلى الناس درجة ومرتبة دينيّة هم العلماء. بل إن درجة العلماء والمرشدين الكاملين والعارفين أعلى حتى من درجة الشهداء.
إنّ تعلّم العلم مهمّ جدّا بالنسبة للطلبة. والإنسان بسلوكه طريق العلم -مهما كانت سنّه- يكون قد وضع قدمه في الجنّة وبدأ المشي فيها.
بعد تعلم الإنسان للعلم يكون مجبرا على العمل بما تعلمه. وهذه كلّها أمور ومواضيع تُكسِبُ الإنسان ثوابا عظيما وتوصِله إلى الجنة.
لذلك يا مستمعيّ الأعزاء الأحباء، بوصفي بروفيسورا في الجامعة ومهتمّا بالمواضيع الدينيّة وأخًا محبّا لكم، أوصيكم جميعا أن يكون لكم اعتناء شديد بالعلم.
يمكن أن تكون مِهَنُكُم مختلفة. يمكن أن تكونوا قد اتّخذتُم مهنًا أخرى تؤمّنون بها حياتكم واحتياجاتكم. وهذا أيضا تصرّف محترم جدا. لأنكم لا تكونون بذلك عبئا على أحد، وتتكسّبون بأنفسكم، فتُقدّمون جهدا أو منتوجا. وهذا المنتوج يمكن أن يكون أحيانا على شكل بضاعة وأحيانا على شكل خدمة. وكلّ ذلك جميل، وهو أمرٌ يحبّه الله ويرتّب عليه جائزة وثوابا.
ولكن مهما كانت سنّكم، ومهما كانت المهنة التي تتخذونها، ومهما كانت احتياجاتكم، هناك أمر لا يُترك أبدا، وهو اشتغالكم جميعا بالعلم الديني، وسعيكم إلى تعلّم بعض الأشياء.
ليس هناك حدود لتعلّم بعض الأشياء. عند وقوف الإنسان على ضفّة المحيط - ليس لدينا محيط ولكن في جنوب تركيا هناك البحر المتوسط. مثلا في في غرب أوروبا هناك المحيط الأطلسي الشاسع جدا، وفي شرق آسيا هناك المحيط الهادئ- فالعلم أيضا شاسع جدا مثل المحيطات والبحار والأنهار.
إنّ تعلّم جزء من ذلك دَينٌ علينا جميعا، أي فرض. وطلب العلم فرضٌ على جميع المسلمين، لكنّ تعلّم جزءٍ منه وبعضا من المعلومات الضروريّة فرضٌ على جميع الناس. لا استثناء في ذلك، على الجميع أن يتعلّم. يجب على الجميع -سواءً السائق أو ربّة البيت أو البائع- أن يقوم بالعبادة، ويُساعد في معرفة وجود الله، وأن يهتمّ بالمواضيع الدينية بالقدر الذي يخوّل له معرفة أوامر الله.
الشكر والسلام من صميم قلبي لإخوتي مؤسِّسِي AKRA ومُشغِّليها والقائمين بأعمالٍ جميلة أخرى مثلها، ولمُنشِئي المدارس، والمنشغلين بأعمال التدريس بجميع أنواعها، ولناشِري المجموعات والكتب المختلفة. فجميع ذلك جميل وهو من الأمور المساعدة على التعليم.
يبدو أن أسهل شيء هو القيام ببثّ إذاعي من الأذن إلى الأذن مثلما نفعل وإياكم الآن. ولكن يجب القيام بهذه الأعمال العلمية. فحتى وإن تمّ ذلك من الأذن إلى الأذن، من الضروري أن يفتح الإنسان كتابا ويقلّب صفحاته ويقرأه بشكل منظّم إذا أراد معرفة موضوعٍ ما بشكل وافٍ.
أنا اليوم في ميونخ. قدِمتُ إلى منزل أخٍ لنا، فرأيت فورا أن في مكتبته كتبا جميلة جدا. أخذت منها مجلّدا [فأعجبني]، وفي نيّتي أن أشتري من ذلك الكتاب فور عودتي إلى إسطنبول لكي أقرأه وأُكمِل مجلّداته بداية بصفحته الأولى.
إنّ وجوب الكتاب أمرٌ متأكّد جدا من أجل التعلّم المنهجي. بل إنّ المواضيع التي لا يقدر الإنسان على فهمها من الكتاب تستوجب شيخا. فالكتاب الذي يُدرِّسه الشيخ أجمل. ولكن الجميع لا يقدرون على القيام بذلك لأننا عندما نقول "الكتاب الذي يدرّسه الشيخ" فإن الأمر يتعلّق بالكُتّاب/ المدرسة وبالدّوام.
ولكن الجميع لديهم بيوت. الجميع يعود إلى عُشِّه عندما يحلّ الظلام. يعود المتزوج إلى بيته والقرويّ إلى قريته وتعود الطيور إلى أعشاشها. وإذا كان للإنسان أطفال فإنه يبقى بمفرده معهم. وإلى أن تحلّ ساعة نومه تكون أمامهُ ساعات. هذا هو الوقت الذي علينا أن ننشغل فيه بالكتب ونتعلّم ديننا.
لذلك ومهما كانت الظروف والوضعيات التي أنتم فيها، علينا أن نخصّص وقتا لمصاحبة الكتاب على الأقل في وقت المساء بعد الدوام أو قبل الذهاب إلى الدوام صباحا أو ليلا في بعض ساعات الليالي الطويلة.
ثم إنّ الكتاب من خيرة الأصحاب. ومن المؤكّد أن للإنسان في محيطه أصدقاءَ مقربين يحفظون سرّه وأصدقاءَ طفولةٍ يحبّهم. لكنّ أجملهم الكتاب. وأجمل الكتب القرآن الكريم وأحاديث سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة.
كيف يمكن أن لا نعرف القرآن الكريم، خطاب الله تعالى ورسالته التي بُعِثت إلينا من الملأ الأعلى؟
كيف يمكن؟
كيف لا نقرأه؟
علينا حتما أن نتعلّم القرآن الكريم.
وكيف يمكن أن يرسل الله إلينا سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم رسولا ثمّ لا نتّبع أحاديثة الشريفة ولا نسمعها ولا نبحث عنها ولا نقرؤها؟
هل هذا ممكن؟
كيف يمكن لإنسان مسلم يحبّ الله ويرضى بالتضحية بروحه في سبيل الله – [إنسانٍ] يسكب الدّمع من أجل رسول الله ويقول: "ليته يأتيني في المنام لأرى نور جماله"- أن لا يتعلّم الأحاديث الشريفة للنبي ذي الشان؟
لذلك عليكم أن تقرؤوا في الساعة المناسبة من يومكم. استمعوا إلى [إذاعتنا] AKRA . فهي تقوم ببثٍّ جميلٍ فعلا وأنا أقدرها كثيرا، وأدعوا لها برضاء الله في كلّ مكانٍ من العالم. وهناك إمكانات تعليمية أخرى أيضا شبيهة بها. ولكنّ من الضروري أن يكون في بيت كلّ منكم كتابا تفتحونه كلّ مساء وتقرؤون منه بضع صفحات حول موضوعٍ ما بشكل مفصّل فتتعلمون منه وتتّبعونه مع أطفالكم كلّ مساءٍ بل وتذاكرونه. وعندما تنتهون من ذلك الكتاب عليكم أن تمروا إلى غيره.
كان هناك رئيس جمهورية أمريكيّ اسمه كينيدي. قرأت في بعض الجرائد والمجموعات نصوصًا عن حياته. الإخوة كينيدي جميعهم أصبحوا سيناتورات ووصلوا إلى بعض المناصب الرفيعة، وأصبح أحدهم رئيسًا لأمريكا، فكتبت المجلات عن كيفية وصوله وعن طبيعة عائلته.
كانوا يحضرون كلّ مساءٍ إلى طاولة الطعام في حضرة والدهم صاحب السلطة ، كان هذا دأبهم دوما، حيث تتمّ مذاكرة مواضيع جميلة جدّا على الطاولة بأسلوب أكاديمي وبشكل جدّيّ.
أي أنّه عند تناول الطعام أيضا يحصل التعلّم بنفس الوقت. يحصل ذلك من خلال مذاكرة مسألةٍ ومن خلال اكتساب بعض المعارف أيضا. وبهذا الاعتبار علينا نحن أيضا أن نكمّل معارفنا من خلال قراءة بعض الأشياء من الكتب أثناء الأكل وبعده، في الليل أو في النهار، بمفردنا أو أجمل من ذلك مع أطفالنا وعائلاتنا.
فلنفترض أن كتابًا ما قد انتهى. كأن نكون قرأنا مثلا كتابًا في علم الحال مكتوبًا بلغة تركية مفهومة، وأتممناه. ثمّ نعود ونقرؤه من بدايته. في قراءتنا الثانية نقرأ بأفقٍ أوسع ونفكّر ونفهم بشكلٍ أعمق ونتذكر الأشياء التي نسيناها. هذه القراءة المتكررة للكتاب تُسمّى ختمًا. وأجملها تكرار ختم القرآن.
ما سبب هذا الختم؟ وما فائدته؟
لأنه عند التكرار يستقر في ذاكرة الإنسان.
لذلك أوصيكم في يوم الجمعة هذا بقراءة الكتب كمصدر للثواب المتواصل.
* تمّ تفريغها من مداخلة للمرحوم البروفيسور محمود أسعد جوشان قام بها في مينخ/ ألمانيا بتاريخ 25.03.1994