إنّ معرفة الموقف الذي يستوجب الصمت مهمّ بقدر أهمّية إتقان الكلام الحسن. فلا شكّ في أنّه لا يجب الرّدّ بحدّة على الكبير والمُعلّم والزّوج. ولا يجب أن ننسى أنّ السكوت أحيانا أبلغ وأفصح من العبارة. فهو أولى من قول كلامٍ فارغ لا ينفع ولا يُغني من جوع. لا تنسوا أبدا أنّ السكوت والتدبّر عبادة عظيمة.
قارنوا بدقّة بين هاتين العبارتين اللتين وجدتموهما عند دخولكم إلى مكانين مختلفين:
"التدخين هنا ممنوع"
"نشكركم لعدم التدخين"
العبارة الأولى تشبه كلمةً صارمة من جنديّ مناوبٍ في ثكنة عسكرية. أما الثانية فأكثر ودّا وتهذيبا.
الأسلوب واختيار الموضوع والكلمات أمور مهمّة جدّا عند الكلام. قال حبيبنا النبي سيّد العالمين صلى الله عليه وسلم في حديث نبوي:
" إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالى مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ، وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم"[1].
عريفُ الكلمة وأمير القلب والشاعر العارف دامع العين وحلو اللسان المبارك يونس أمره أيضا لفت الانتباه إلى أهمية الكلمة وذكر أن المُتقن للكلام يقضي مراده بكلمة واحدة، أما من لا يُحسن الكلام فكلمة واحدة تورده المهالك. ثم يواصل قائلا؛
Söz ola kese savaşı
Söz ola bitüre başı (baş: yara, bitürmek: iyi etmek)
Söz ola ağulu aşı
Bal ile yağ ede bir söz[2]
"رب كلمة توقف حربا
رب كلمة تشفي جرحا
رب كلمة تجعل السّمّ ترياقا
وعسلا وزيتا"
إنّ للكلمة الحسنة أهميّة بالغة في تحقيق السعادة والتعايش داخل العائلة. فكم من موضوع خلافي تُحلّيه العبارة اللطيفة، فتُزيل التوتّر وتُنهي العراك. وفي مقابل ذلك، حتّى بعض الكلمات الصائبة إذا قيلت بحدّة وكانت مثل الشوك فإنها تدخل في الطرف الآخر فتكسر قلبه، بل قد تُحطّم العشّ.
الكلمة الطيبة –كما تفيد الأحاديث الشريفة- بمثابة الصدقة وتُكسب صاحبها الثواب. والمؤمن شخصٌ حلو اللسان ضحوك الوجه محبوب وإيجابي؛ أما العبد الذي لا يعرف الألفة ولا محادثة الناس والذي لا يندمج مع الآخرين ولا يترك لهم مجالا ليقتربوا منه فلا خير فيه أبدا.
لذلك عليكم بالحذر عند الكلام مع زوجاتكم وأطفالكم وأقربائكم وجيرانكم، اختاروا كلماتكم جيّدا وعدّلوا أسلوبكم بشكل جيّد، لا تتكلموا بشكل قاسٍ وغليظ وجارح، قولوا الصواب ولكن المسارعة إلى قول كل صوابٍ قد لا تكون أمرا صائبا، يجب اختيار المكان والزمان بعناية ودقّ الحديد وهو مشتعل. عليكم أن لا تكونوا وقحين للدرجة التي تقولون فيها لقاضٍ أعمى: "كيف حالك أيها القاضي الأعمى؟".
إنّ معرفة الموقف الذي يستوجب الصمت مهمّ بقدر أهمّية إتقان الكلام الحسن. فلا شكّ في أنّه لا يجب الرّدّ بحدّة على الكبير والمُعلّم والزّوج. ولا يجب أن ننسى أنّ السكوت أحيانا أبلغ وأفصح من العبارة. فهو أولى من قول كلامٍ فارغ لا ينفع ولا يُغني من جوع. لا تنسوا أبدا أنّ السكوت والتدبّر عبادة عظيمة.
فما بالكم لو شغلتم مع ذلك ألسنتكم بذكر الله، حينها تكسبون درجات معنوية عالية جدا وتنالون بسهولة سعادة الدارين إن شاء الله.
كان الله معيننا ورفيق توفيكم يا قُرّائي الأحباء.
*Başmakaleler 2: Kadın ve Aile Dergisi Başmakaleleri, İstanbul: Server İletişim, 2016, s. 134-135.
[1] الحديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه. انظر: البخاري، كتاب الرقاق، 23؛ مسلم، كتاب الزهد، 49.
[2]Yûnus Emre Dîvânı, II, 157. ديوان يونس امره 2 157.