البروفيسور محمود أسعد جوشان رحمه الله
لقد جاء دين الله لكي يُعلّم الناس السعادة في الدارين. فعندما يُسلمُ الإنسان يُصبح سعيدا في الدنيا والحمد لله؛ يصبحُ مطمئنّا ونظيفا ولا يكون وسِخًا... يُصبحُ نظيفًا هو وعائلته وروحه وعقله وضميره ومجتمعه. يرتاح في الآخرة ويسعدُ في الدنيا. وقد جاء الإسلام لكي يمنح هذا الأمر للإنسانية.
وأهمّ وظيفة للإسلام وأهمّ وظيفة للمُسلم هي شرح تلك الأمور لبقية الناس. فسيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم قام بهذه الوظيفة وقال في خطبة الوداع: "ألا هل بلّغت؟". وعندما أُجِيبَ "لقد بلغت يا رسول الله"، قال قول من أتمّ وظيفته "اللهمّ فاشهد".
الآن وصلت هذه الوظيفة إلى الصحابة الكرام، انتقلت إليهم. نحن لا نعرف حتى ماهي المِهن التي زاولها أغلب الصحابة الكرام. لأنّ مهنتهم هي نشر الإسلام وتعليمه؛ تبليغ الإسلام وإرشاد الناس؛ تعليم الإسلام وتربية الناس بتربية وتعاليم الإسلام.
لقد ذهبنا إلى أوزبكستان وبخارى وسمرقند. وفي سمرقند هناك قبورٌ للصحابة قُمنا بزيارتها. يا لبُعد الديار التي ذهبوا إليها. ذهبنا أيضا إلى منطقة مشروع جنوب شرقي الأناضول (GAP)[1] وتجولنا في الأماكن التي ستغمرها مياه السّدّ. هناك كثير من قبور الصحابة. وفي إسطنبول [أيضا] قبور للصحابة.
لماذا هذا؟
من أجل إيصال رسالةٍ إلى تلك البقاع. أي من أجل وظيفة تواصلٍ وإرشاد وتبليغ.
هذا يعني أن الإسلام دين تواصل. جاء سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ليُبلّغ أوامر الله للناس؛ هذا تواصل، علّمَ سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام للناس؛ هذا تواصل، وظيفة الصحابة الكرام والمسلمين هي نشر الإسلام وتعليمه للآخرين؛ هذا تواصل ... أي أن التبليغ الذي نُسمّيه تواصل هو العملية التي نُسمّيها نقل المعلومة وإيصال المعلومة لطرف آخر ومخابرة و telecommunication أو فقط communication. والإسلام يستند بشكل كبير على هذا الأمر وأكثر استناده على أساس هذا العمل. أريد أن أؤكّد على هذا الأمر ثمّ سأعود إليه لاحقا.
طبعا المحتوى هُنا مهمّ. تأتون بشيءٍ وتقومون بشرحه لأحدٍ ما، توصلون له معلومةً ما، توصلون خبرًا للطرف المقابل، ولكن ماذا ستوصلون؟ هذه المعلومة أوهذا المحتوى، أي الشيء الذي توصلونه أو المادة التي تمثل موضوع التواصل مهمّة جدّا في الإسلام. لذلك كان المسلمون، صحابة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يرتجفون ويمتلؤون رُعبا حرصا على صحّة الخبر وخوفا من أن يكونوا قد غيّروا كلمة عند التحديث عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم. كانوا يكتمون الأخبار التي يعلمون صحّتها إلى آخر أعمارهم خوفا من عدم التمكّن من نقلها كاملة، ولم يكونوا يخبرون بها إلا في آخر لحظاتهم لعِلمِهم بأنّ من لم يُعلِم غيرهُ بالخبر الذي يعلمُ صحّته يُعاقب. لكنّهم ربطوا ذلك بشروط شديدة جدّا. وحافظوا على كلماتهم ونصائحهم. فحياتهم اليومية وحياتهم الخاصة والاجتماعية وأقوالهم وحركاتهم وتصويباتهم وتقديراتهم ونصائحهم جميعُها أُثبِتتْ بشكل جميل جدا. وقد قام العلماء بذلك حتّى يُبلَّغ الآخرون وعملا بقول سيّدنا النبي صلى الله عليه وسلم "فليُبلّغ الشاهد الغائب".
لقد انتقلت وظيفة التواصل بعد سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى العُلماء. جميعهم لديهم مِهن؛ المهندس والدكتور والفلّاح وغيره وغيره... لكن إيصال هذه الخدمة وهذا الخبر الصادق وهذه الكلمة الصادقة وهذا الإيمان وهذه الرسالة الصادقة أوكِل إلى العالِم. لأنّها يجب أن تتمّ بعِلم. فهي ليست عمل الجاهل وليست حِملا يُمكن للجاهل تحمّله. لذلك فإنّ العلماء بما أنّهم ورثة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم فقد ذُكِروا بشرف تلك الوراثة، ومُنِحوا تلك الرّتبة. والعلم في الإسلام أصبح حاكِما في الدين وفي الدنيا وفي الآخرة. أي أنّ الدين أيضا يكون بالعلم. وقد قيل: "من أراد التديّن وكسب مرضاة الله فعليه بالعلم، ومن أراد كسب الدّنيا فعليه بالعلم، ومن أراد كسب الآخرة فعليه بالعلم".
وعليه فإن المادة يعني المحتوى المُراد إيصالُه هو جزء مهمّ من أجزاء التواصل في الإسلام. والإسلام جعل تلك المادّة أمراً صحيحاً وحقيقياً، وأولاها أهميّة بالغة وجعل من نشرها في كلّ مكانٍ وظيفةً من وظائف الأمّة. فالذين أمرتهم الآية الكريمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصرف الجُهد في ذلك عليهم نشر هذه الرسالة في كلّ مكان.
لقد وضع الإسلام هذا الأمر قبل 14 قرنا. وهو أمر يجب على المسلمين معرفته. ثمّ تطورت المجتمعات فصنّفها علماء الاجتماع وفق طريقة العيش ووفق الأنشطة الاقتصادية ووفق الأعمال الاقتصادية. قالوا بأنّ هناك مجتمعات زراعيّة ولها اقتصادات مغلقة تعيش حياتها من خلال ممارسة الزراعة وتأمين احتياجاتها داخل بيئتها الضيّقة؛ تدخّر في الصيف لشتائها فتأكل في الشتاء ما زرعته، [أي] تستهلك في الشتاء الطعام الذي أعدّته مسبقا. هذا النوع من المجتمعات نُظِرَ إليه على أنه بدائي، وسُمّي بالمجتمع الزراعي.
ثمّ حصلت الكُشوفات الجغرافية وتمّ اكتشاف قارّاتٍ. وللوصول إلى تلك القارات صُنعت الآلات والأدوات واتّسعت المعرفة وازداد تبادل المعارف بين المجتمعات... وللإسلام نصيب وافر في ذلك. تقول الدكتورة سيغريد هونكه "شمس الإسلام المشرقة على أوروبا"... أي أنّ أوروبا كانت أرضا كئيبة مظلمة حالكة لا تعرف شيئا ولم ترى شيئا. لكن شمس الإسلام أشرقت فوقها. لقد تعلّموا كلّ شيء من المسلمين. النهضة قاموا بها من خلال المعارف التي أخذوها من المسلمين. حتى أنّ التجديدات التي قاموا بها في أديانهم كانت بسبب احتكاكهم بالمسلمين. فالإسلام ومعارف المسلمين وقناعاتهم كانت مصدرًا لمارتن لوثر ولبقيّةُ المجدّدين في المسيحية.
لقد ظهر مذهب التوحيد في المناطق التي تحتكّ مع العثمانيين. أي أنّ المسيحيين أنفسهم أصبحوا يقولون بأن الله واحد وأنه ليس ثلاثة. وبالطبع قطّعهم الكاثوليكيون وأحرقوهم وسلخوا جلودهم. هل أنت من يقول ذلك القول؟.. فهربوا إلى أمريكا. حتى أنّ بعض رؤساء أمريكا موحّدون، أي أنهم أصبحوا مُقرّين بوحدانية الله.
إنّ الإسلام وعالم الإسلام واحتكاك الأوروبيين بعالم الإسلام هو مصدر التجديد والنهضة الذي يُغيّبُ عنّا ولا يُتَطرّقُ له مخافة أن يزداد الاهتمام بالإسلام. سيرغيد هونكه تحدثت عن ذلك بشكل جميل جدا في كتابها هذا. حيث تعدّد وتذكر كلّ ما أخذه الأوروبيون من المسلمين وكيفية أخذهم له. نحن نقول Maroken koltuk، وكلمة marok تعني المغرب. أي أنّ الجلود التي يصنعها إخواننا المغاربة المسلمين جميلة لدرجةٍ أكسبتها شهرة. يُقال جورب Müslin. و كلمة Müslinهي اسمٌ يُطلق على نوعٍ رقيق من القُماش يُصنع في الموصل. لذلك سُمّي جورب Müslin بهذا الاسم. وكذلك كلّ شيء على هذا النحو. علوم الطب والفيزياء والكيمياء وبقية العلوم شهدت ما شهدته من تطور بسبب الاحتكاك مع المسلمين.
ثمّ جاء عصر الصناعة، أي المجتمعات التي زادت في وتيرة الصناعة واشتغلت بتسويقها، وهنا أيضا تقدّم وتطور...
والآن مجتمع المعرفة. فالأوروبي عندما أبصرَ الدنيا أسَّسَ الأكاديميات العلمية. لقد أسس تلك الأكاديميات انطلاقا من أنّ إدراك هذه الأمور لا يتمّ بسهولة. فخصّص مبالغ ضخمة وبدأ أنشطة جمع المعارف المتعدّدة من جميع أرجاء العالم، وبدأ ظهور المجموعات وظهرت الموسوعات وبدأت أعمال جمع كلّ أنواع المعارف. وفي النهاية وجدوا أنّ تلك المعارف كثيرة جدّا ومتّسعة جدّا ومفيدة جدّا فانكفأ عليها بشكل موسّع أكثر.
وبما أنّ الحصول على خبر عن جمع تلك المعارف والإخبار بها، أي انتقال المعرفة أصبح مسألة كبيرة جدّا فقد أصبح يُقال بأنّ مجتمع الإنسانية "مجتمع معلومات" أي أنّه أصبح مجتمع تواصل. لأنّ أمريكا تقوم بأبحاث عن موضوع ما، وبريطانيا تقوم في مختبراتها بعمل حول موضوع ما، وكذلك اليابان وألمانيا وروسيا. فتجد أحيانا أنّ الروسيّ يجد شيئا في نفس الموضوع في حين أن الآخرين لا علم لهم به. وأحيانا يجد الأمريكي شيئا أو الألماني أو الياباني... فيسرقون من بعضهم تلك المعارف. ما يُسمونه بالجوسسة التكنلوجية هو الحصول على المعرفة وتهريبها وجمعها والحصول عليها مهما حصل.
هذا الذي نسميه بالتواصل هو في الأصل جزءٌ من حياة الإنسان. فهو نشاطٌ يوجدُ في العصور القديمة والمجتمعات القديمة كما يوجد في مجتمعنا المعاصر. وكثير من أنشطتنا هي في الأصل تواصل. محادثاتنا وإشاراتنا لبعضنا وتراسُلُنا ونُصحُنا ووعضُنا وخُطَبُنا ومقالاتُنا وغيرها... كلّ واحدة من هذه تمثّل وسيط تواصلٍ.
لقد فهم الأوروبي والأمريكي والغربي أهميّة التواصل فهما جيّدا. وألِّفت حوله كُتُب. وظهرت اختصاصاتٌ متعلّقة بأهميّة التواصل وأشكال استعماله. لأنّ الشرط الأولي لتشكّل الجماعات والمجتمعات هو التواصل. أي أنّه لا يمكن أن يكون هناك مجتمع مثاليّ ولا تنظيمٌ مثاليّ بدون تواصل.
أنتم تعلمون بحصول عمليّة قبرص العسكرية. في تلك العملية غرقت سفينة تركيّة بقنابل مُلقاة من الطائرات التركية. هذا مثالٌ عشناهُ جميعا يُبرز لنا التكلفة الباهضة لنقص التخابر وخطئه وتأخّره. الرجال على سطح السفينة يشيرون قائلين "نحن أتراك". في حين واصلت الطائرات التركية إمطارهم بالقنابل ظنّا منها أنّهم يخدعونها برفع الأعلام التركية وأنّهم يونانيون في طريقهم لمساعدة اليونانيين في قبرص. من يدري كم قُتِل منهم؟.. أي أننا لا ندري ما الذي حصل. هذا مثالٌ مؤلم عن انعدام التواصل.
لقد عرّف الفلاسفة الناس بأشكال متعدّدة. وفي إحدى التعريفات عُرِّف الإنسان بأنّه " homo ekonomicus " أي أنه الموجود الذي يقوم بنشاطات اقتصادية، الذي يتمتع بقوّة اقتصاديّة بالغة. لكننا وصلنا إلى حالة يُقال فيها بأنّ الأولى أن نقول عنه " homo informaticus ". أي أنّه أصبح إنسانا يقوم بنشاطات قائمة على التخابر (التواصل).
في هذا الخصوص أصبحنا نحن وجها لوجه مع انفجار تكنلوجي عظيم. ولو أنّ العثمانيين حصلوا على هذه التكنلوجيا ربّما لم تكن الدولة العثمانية لتنهار. فهي لم تكن تحصل على أخبار من البلقان. أما الآن فإنّ بالإمكان الحصول على خبر عن حادثة صغيرة وقعت في بقعة من بقاع الأرض. حيث يمكن اختيار حبّة قمحٍ في حقلٍ وتحديد نوعها من خلال صُورٍ يتمّ التقاطها بالأقمار الصناعية. عند تكبير الصّور، أصبح بالإمكان تحديد نوع المزروعات في الحقل هل هي قمح أم شعير أم حنطة أم خشخاش أم غير ذلك. من أجل ذلك تمّ إطلاق الأقمار الصناعية. كما أن التلفزيون تطوّر ودخل كلّ بيتٍ وأصبح ملوّنا. وقد جُمِّل في أعيُن شعبنا وأحالت الدولة العمل فيه للقطاع الخاص حتّى باعت القرويّاتُ لأجله حُلِيّها. فدخل التلفزيون والفيديو ومشغّل الموسيقى إلى كلّ بيت. إنّ للتواصل صفحات متنوّعة، حيث أن هناك مسألة إنتاج المعرفة ووجودها والحصول عليها؛ من خلال الأبحاث العلمية أو الاكتشافات أو التسجيل والجمع... والثانية هي تخزين تلك المعلومات؛ هناك مسألة التخزين. حيث تطورت أساليبها أيضا. وقد تطورت المكتبات في أمريكا إلى أن أصبح بالإمكان العثور على الفقرات المتعلقة بموضوع ما في المكتبة وليس مجرّد تحديد عناوين الكُتب. أي أنكم إذا كنتم تقومون ببحث في أي موضوع وكنتم تعرفون الكلمة المفتاحية لذلك الموضوع فإن بإمكانكم العثور على أرقام بدايات ونهايات الصفحات التي تحتوي على ذلك الموضوع في الكتب.
لقد أصبحت مكتبات الجامعات مرتبطة بالحواسيب التي في البيوت. أي أنّ الطالب بإمكانه التجول بين الكتب التي تحويها مكتبة الجامعة من خلال الضغط على الأزرار ومن دون الاهتمام بفتح المكتبة وغلقها وبوقت الدوام وغير ذلك. أصبحت المعرفة بهذا الشكل، ووصل تخزينُها إلى مستويات تحيّر العقول. وإذا كان بإمكانكم دفع الأجرة والاشتراك فإنّكم يمكن اليوم أن تغوصوا بالحاسوب من تركيا في مكتبات أمريكا وتقلّبوا كُتُبها وتعثروا على المادة اللازمة لبحثكم.
إنّ وكالات الأخبار الكبرى في العالم هي من تحتكر العمل في التواصل فهو في أيديها. هذه الوكالات جعلت كلّ الدّول مشتركةً فيها. وبما أنّ أجرتها مرتفعة جدّا وتعاملها يكون بالدفع المسبق فإنّ الأشخاص العاديين لا يمكن لهم الاشتراك فيها بسهولة. لذلك فالدول هي من لديها اشتراكات فيها، وهي بذلك تكسب أموالا هائلة وضخمة. كلّ يومٍ تُشترى الأخبار من تلك الوكالات. وبطريقةٍ غير مباشرة تخرج تلك المبالغ من أكياسنا وجيوبنا وصناديقنا نحن وإياكم.
كما أنها إذا كانت تحصل على 1 في المائة من أخبار العالم فإنها تُخرج 5 في المائة من الأخبار. وتكونون أنتم مجبرين على الاستماع إلى معلوماتها. أي أنّكم تكونون مجبرين على قراءة حكاياتها. فتتعلمون من خلال أخبارها وتظلون جاهلين بالمواضيع التي لم تُخبركم بها. ثم إنكم تُوجّهون إلى اتجاهات خاطئة بسبب الأخبار الخاطئة التي أمدتكم بها. والصّحف أيضا كذلك. فهي أيضا لها اشتراكات عندها، وهي تكتب ما تسمعه منها. وبذلك تمكّنت تلك الوكالات من الإمساك بالعالم في قبضة يدها من حيث المعلومة والتوجيه والقيادة والخداع.
لقد أصبح ما نسمّيه بالتواصل يلعب دورا أوليّا في حياتنا اليوم وفي تنظيم الحياة اليومية من خلال هذا النوع من التنظيمات. ربما لستم كذلك. فبما أنّكم مسلمين فإنّ لكم بناءً عقليا خاصّا؛ أنتم بإمكانكم تصفية المعلومات ولا تصدّقون كلّ شيء وتتعلّمون بعض الأمور من مصادر أخرى. ولكنّ 99.9 بالمائة من الشعب ليسوا كذلك. أغلب الشعوب ليست كذلك؛ في أفريقيا وآسيا هناك العديد من الدول المتخلّفة. فأولئك يتربّون بحكايات هذه الوكالات. والدول الغربية تستولي بذلك على العالم وتستعمره استعمارا حديثا. فالتواصل والثقافة هما أهمّ وسائل الاستيلاء.
نحن نريد خدمة دين الله وكسب مرضاة الله. ونحن مكلّفون بجعل الناس يدركون وجود الله ووحدانيّته. ومكلفون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومكلفون بتفهيم المسائل التي بيننا وبين أعداء الله والحديث عنها وهزيمتهم وإقناعهم. وعليه فإنّ أكثر المحتاجين للتواصل وأكثر المجتمعات التي عليها أن تحسّ بتلك الحاجة هم نحن. بل إنّ إيصال آليّة التواصل إلى هذا المستوى كان يجب أن يتمّ بأيدي المجتمعات الإسلامية. لأن وظيفتها هي الإرشاد والتبليغ. غير أن تلك المجتمعات لم تقم بذلك. وبما أنّ هذه التكنلوجيا متعلقة بالتقدّم والتأخر فقد نجح فيها الآخرون وسبقونا إلى جعل العالم في أيديهم.
وبناء على ذلك يجب علينا أن نغيّر نظرتنا إلى التواصل وإلى طريقة تعاملنا مع الأنشطة التواصلية. كما أن علينا أن نزيد من حجم إنفاقنا على التواصل زيادة لا حدّ لها.
إنّ المجتمعات الإسلامية لا يمكن أن تفهم هذه المسألة يا إخوتي المحترمين. وبإمكاننا أن نقول بمطلق الأريحية أنها مريضة. أي أنها مريضة من حيث الشعور الإسلامي، وقد أثرت فيها ثقافات أخرى. فالمتعلّمون تربّوا على ثقافات غربية أجنبية. أما غير المتعلمون فقد حُرموا بشكل كامل من الثقافة الغربية. لكن هناك قدرا ضئيلا جدا من الناس يفكرون فقط من أجل الإسلام ويعملون من أجله فقط وينظرون إلى كل الأمور بالمعيار الإسلامي. هناك قلّة قليلة جدّا ممن يمكنهم فهم حجم خطورة هذه المسائل.
إنّ المجتمعات الإسلامية مريضة وعلاج مرضها في التواصل. لأنكم [بالتواصل] ستعلمونها وتبصرونها بأخطائها وتقدمون لها الخبر الصحيح حتى تتعلّم. أما أعداء الإسلام فهم في وضعية هجوم... المسلمون مرضى، وأعداء الإسلام في وضعية هجوم مرعبة، في كلّ من الداخل والخارج.
علينا بالتواصل من خلال؛ الحصول على المعلومة وجمعها والتعلّم من خلالها ثمّ نقلها للشعب –بما يُسمّى بوسائل الإعلام الجماهيرية- وإيصال تلك المعلومة الصحيحة إلى جميع الشرائح من خلال التواصل الجماهيري والتعليم العام والتعليم الحر وجميع وسائط التعليم الأخرى. علينا أن نزيد وعي الشعب ليواكب العصر ونأخذ به إلى مستوى مجتمع المعرفة ومجتمع التواصل (مجتمع المعلومات). علينا أن نصنع واقعا يجعلنا نعلم فورا بأيّ أمر جديد يحصل في اليابان ويجعلنا نسمع مباشرة بأي جديد في ألمانيا.
إذا لم نقم بهذه الأعمال فإننا سنعاني في المستقبل من الكثير من المشاكل والمصائب، ولن يسمع أحفادنا عن الإسلام.
هذه هي المهمّة التي يريدها الله منا والتي حمّلنا إيّاها، هذه هي وظيفتنا.
*تفريغ نصّي عن المجلس الذي أقامه المرحوم البروفيسور محمود أسعد جوشان في أنقرة بتاريخ 25.09.1992.
[1] مشروع جنوب شرقي الأناضول (GAP) هو الاسم الذي يُطلقُ على المشروع الذي يشمل حوض دجلة والفرات بالإضافة إلى تسعِ محافظاتٍ واقعة في سهول أعالي بلاد الرافدين هي: أديامان وبطمان وديار بكر وغازي عنتاب وكليس ومردين وسيرت وأورفه وشرناق.
مقالة
“İslam İletişim Dinidir* ”
Prof. Dr. M. Es'ad Coşan (Rh.a.)